ومات بها ثلاثون ألفاً تحت الهدم، وخرج الناس إلى الميادين يستغيثون، وسقط غالب قلعة بعلبك، وخرج قوم من بعلبك يجنون الريباس من جبل لبنان، فالتقى عليهم الجبلان، وما توا بأسرهم، وقطعت البحر إلى قبرص وانفرق البحر فصارَ أطواداً، وقذف بالمراكب إلى ساحله، وامتدت إلى ناحية الشرق: خلاط، وأرمينية، وأذربيجان، والجزيرة، وأحصي من هلك في هذه الزلزلة على وجه التقريب، فكان ألفَ ألفِ إنسان.
خطبة بليغة حول الزلازل وأسبابها الشرعية:
وقال بعض البلغاء في ذلك:
أما بعد؛ فإنه لَمَّا حدث بِمُلْكِ الشام من الزلازل، ووجد في أكثرها من عظيم البلايا والبلابل، حتى طغَت من أرض الجزيرة إلى بلاد الساحل، وهدمت الحصون والمعاقل، وأخرَبَت مالا يُحصى من الدور والمنازل، وسوَّتِ العالي من البنيان بالأسافل، وأوحشت من أهلها المجالسُ والمحافل، وكَثُرت في الدنيا اليتامى والأرامل، وأجهضت كثيراً من أجِنّةِ الحوامل؛ فكان ما حدَث عِبرة للبيب العاقل، وحسرة على الْمُصِرِّ الغافل، وتنبيهاً على إخلاص التوبة من المتغافل، وإزعاجاً للمتباطيء عن الطاعة والمتثاقل، وما ظَلَم الله عبادَه بإهلاك النسل والناسل، ولكنهم تعاموْا عن الحق، وتمادوْا في الباطل، وأضاعوا الصلوات، وعكفوا على الشهوات