في سنة سبع عشرة وستمائة خرج التتار إلى بلاد الإسلام فأحدثوا فيها من الدمار والقتل ما لا يُوصف حتى قال المؤرخ الشهير ابن الأثير الذي عاصر الحادثة [والمتوفى سنة ٦٣٠] وهو يصف عُظْمَ المصيبةِ التي حلت بالإسلام وأهله آنذاك، قال: (لقد بقيت عدة سنين معرضاً عن ذكر هذه الحادثة استعظاماً لها، كارهاً لذكرها، فأنا أقدِّم إليه رِجْلاً وأؤخر أخرى، فَمَن الذي يسهل عليه أن يكتب نعيَ الإسلام والمسلمين، ومَن الذي يَهُونُ عليه ذكرَ ذلك؟!، فياليت أمي لم تلدني، ويا ليتني متُّ قبل هذا وكنت نَسْياً مَنسِياً!، إلا أني حَثَّني جماعة من الأصدقاء على تسطيرها، وأنا متوقف، ثم رأيت أن تَرْكَ ذلك لا يجدي نفعاً، فنقول: هذا الفعل يتضمن ذكر الحادثة العظمى، والمصيبة الكبرى التي عَقَمَتِ الأيامُ والليالي عن مثلها، عَمَّت الخلائق، وخصت المسلمين؛ فلو قال قائل: إن العالم مُذ خلقَ الله سبحانه وتعالى آدمَ إلى الآن لم يُبتلوا بمثلها لكان صادقاً، فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها.
ومن أعظم ما يذكرون من الحوادث ما فعله بختنصر ببني إسرائيل من القتلِ، وتخريب البيت المقدس، وما البيت المقدس بالنسبة إلى ما خرب هؤلاء الملاعين من البلاد التي كل مدينة منها أضعاف البيت المقدس!.