ومجموع ما خالفت فيه رواية شريك غيره من المشهورين نحو اثني عشر موضعًا:
الأول: وهو أشدها، قوله: ودنا الجبّار رب. العزة فتدلّى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، وقد مرَّ ما قاله الخطابيّ جوابًا عن هذا الموضع، ثم قال أيضًا: إن الذي وقع في هذه الرواية من نسبة التدلّي للجبار عَزَّ وَجَلَّ مخالفٌ لعامة السلف والعلماء وأهل التفسير، من تقدم منهم ومن تأخر. قال: والذي قيل فيه ثلاثة أقوال: أحدها أنه دنا جبريل من محمد -صلى الله عليه وسلم-، فتدلى أي فتقرب منه، وقيل هو على التقديم والتأخير، أي تدلى فدنا لأنّ التدلي سبب الدنو. الثاني: تدلّى له جبريل بعد الانتصاب والارتفاع حتى رآه متدليًا مرتفعًا، وذلك من آيات الله حيث أقدره على أن يتدلّى في الهواء من غير اعتماد على شيء، ولا تمسك بشيء. الثالث: دنا جبريل فتدلى محمد -صلى الله عليه وسلم- ساجدًا لربه تعالى، شكرًا على ما أعطاه.
قال: وقد رُوي هذا الحديث عن أنس من غير طريق شريك، ولم تذكر فيه هذه الألفاظ الشنيعة، وذلك مما يقوّي الظن أنها صادرة من شريك، لكنَّ جَزْمَه بأن روايته مخالفة للسلف والخلف يردُّه ما أخرجه الأُمويّ في مغازيه، ومن طريق البيهقيّ عن ابن عباس في قوله تعالى {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى}[النجم: ١٣] قال: دنا منه ربه، وهذا سنده حسن، وهو شاهد قويّ لرواية شريك، ونقل القرطبيّ عن ابن عباس أنه قال: دنا الله سبحانه وتعالى، والمعنى دنا أمره وحكمه. وقيل: تدلى الرفرف لمحمد عليه الصلاة والسلام، حتى دنا محمد من ربه، ويأتي قريبًا في بحث الرؤية، ان شاء الله تعالى، الكلامُ على قوله {وَلَقَدْ رَآهُ} وقوله {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى}[النجم: ١٠] وقال القاضي عياض في "الشفاء" اضافة الدنو والقرب إلى الله تعالى، أو من الله، ليس دنو مكان، ولا قرب زمان، وإنما هو بالنسبة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، إبانةُ تعظيم منزلته، وتشريف رتبته، وبالنسبة إلى الله عَزَّ وَجَلَّ، تأنيسٌ لنبيه، وإكرام له. ويتأول فيه ما قالوه