البسملة ثابتة في الأصل، ولأكثر الرواة "باب" بدل "كتاب"، وسقط ذلك لأبي ذَرٍّ، فلم يقل باب ولا كتاب، وفي بعض النسخ كتاب الزكاة "باب وجوب الزكاة". والزكاة في اللغة النماء، يقال زكا الزرع إذا نما، ويرد أيضًا في المال، وترد أيضًا بمعنى التطهير، وشرعًا بالاعتبارين معًا، أما بالأول فإن اخراجها سبب النماء في المال، أو بمعنى أن الأجر بسببها يكثر، أو بمعنى متعلقها الأموال ذات النماء كالتجارة والزراعة. ودليل الأول "ما نقص مال من صدقة" ولأنها يضاعف ثوابها كما جاء أن الله يُرْبي الصدقة. وأما بالثاني فلأنها طهرة للنفس من رذيلة البخل، وتطهير من الذنوب.
وهي الركن الثالث من الأركان التي بُني عليها الإِسلام، كما مرَّ في كتاب الإيمان. وقال ابن العربي: تطلق الزكاة على الصدقة الواجبة والمندوبة والنفقة والحق والعفو. قلت: وكذلك الماعون: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} وتعريفها في الشرع إعطاء جزء من النصاب الحولي إلى فقير، ونحوه غير هاشميّ ولا مُطَّلِبيّ.
وقوله: ولا مُطّلبيّ هو مذهب الشافعيّ، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى، في باب ما يذكر من الصدقة للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وآله. ولها ركن وهو الإخلاص، وشرط هو السبب، وهو ملك النصاب الحولي، وشرط مَنْ تجب عليه وهو العقل والبلوغ والحرية، ولها حكم وهو سقوط الواجب في الدنيا، وحصول الثواب في الآخرة. وحكمة وهي التطهير من الأدناس ورفع الدرجة واسترقاق الأحرار، وهو جيد، لكن في شرط من تجب عليه اختلاف، والزكاة أمر مقطوع به في الشرع، يستغني مَنْ تكلّف الاحتجاج له، وإنما وقع الاختلاف في بعض فروعه. وأما أصل فرضية الزكاة فمن جحدها كفر، وإنما ترجم المصنف بذلك على عادته في إيراد الأدلة الشرعية المتفق عليها، والمختلف فيها.
ثم قال: وقول الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} قول بالرفع، قال الزين بن المنير: مبتدأ وخبره محذوف، أي: هو دليل على ما قلناه من الوجوب، وقد مرَّ معنى إقام الصلاة وإيتاء الزكاة عند حديث "بُني الإِسلام على خمس" أول كتاب الإيمان. ثم قال: وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: حدّثني أبو سفيان رضي الله تعالى عنه، فذكر حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يأمرنا