قوله:"الشيء" بالنصب على المفعولية، والتقيد بالرجل لا مفهوم له، لأن بقية المكلفين في حكم ذلك سواء. قال المهلب: التفكر أمر غالب، ولا يمكن الاحتراز منه في الصلاة، ولا في غيرها، لما جعل الله للشيطان من السبيل على الإنسان، ولكن يفترق الحال في ذلك، فإنْ كان في أمر الآخرة والدين كان أخف مما يكون في أمر الدنيا. ثم قال: وقال عمر: إني لأجَهِّز جيشي وأنا في الصلاة. وصله ابن أبي شيبة عن أبي عثمان النَّهديّ عنه بهذا سواء. قال ابن التين: إنما هذا فيما يقل فيه التفكر، كان يقول: أجهز فلانًا، أقدم فلانًا، أخرج من العدد كذا وكذا، فيأتي على ما يريد في أقل شيء من الفكرة. فأما من يتابع التفكر، ويكثر حتى لا يدري كم صلى، فهذا اللاهي في صلاته، فتجب عليه الإعادة.
وليس ما قاله من الإطلاق على وجهه، فقد جاء عن عمر ما يأباه، فروى ابن أبي شيبة عن عُروة بن الزُّبير قال: قال عمر: إني لأَحْسِب جزْية البحرين وأنا في الصلاة. وروى صالح بن أحمد بن حنبل عن أبيه عن همام بن الحارث أنَّ عمر صلى المغرب فلم يقرأ، فلما انصرف قالوا: يا أمير المؤمنين إنك لم تقرأ فقال: إني حدثت نفسي، وأنا في الصلاة، بعِير جَهَّزْتُها من المدينة حتى دخلت الشام، ثم أعاد وأعاد القراءة. وعن عياض: الأشعريُّ قال: صلى عمر المغرب، فلم يقرأ، فقال له أبو موسى الأشعري: إنك لم تقرأ، فأقبل على عبد الرحمن بن عوف فقال: صدق، فأعاد، فلما فرغ قال: لا صلاة ليست فيها قراءة، إنما شغلني عِيْرٌ جهزتها إلى الشام، فجعلت أتفكر فيها، وهذا يدل على أنه إنما أعاد لترك القراءة، لا لكونه كان مستغرقًا في الفكرة.
ويؤيده ما روى الطحاويّ عن عبد الرحمن بن حنظلة ابن الراهب أن عمر صلى المغرب، فلم يقرأ في الركعة الأولى، فلما كان في الثانية قرأ بفاتحة الكتاب مرتين، فلما فرغ وسلم سجد سجدتي السهو.
ورجال هذه الأثار ثقات، وهي محمولة على أحوال مختلفة، والأخير كأنه مذهب لعمر، ولهذه المسألة التفات إلى مسألة الخشوع في الصلاة، وقد تقدم البحث فيه في باب الخشوع في الصلاة من أبواب صفة الصلاة، ومرَّ البحث في هذا المعنى في الوضوء عند حديث عثمان بن عفان "لا يحدث فيهما نفسه"، ومرَّ عمر في الأول من بدء الوحي.