للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الحديث الخامس والثمانون]

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بِرَجُلٍ مِنْهُمْ وَامْرَأَةٍ زَنَيَا، فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا قَرِيبًا مِنْ مَوْضِعِ الْجَنَائِزِ عِنْدَ الْمَسْجِدِ.

قوله: موضع الجنائز عند المسجد، حكى ابن بطال عن ابن حبيب أن مصلى الجنائز بالمدينة كان لاصقًا بمسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- من ناحية جهة المشرق، فإنْ ثبت ما قال، وإلاّ فيحتمل أن يكون المراد بالمسجد هنا المصلى المتخذ للعيدين والاستسقاء, لأنه لم يكن عند المسجد النبوي مكان يتهيأ فيه الرجم، وسيأتي في قصة "ماعز فرجمناه" بالمصلى.

قلت: ما قاله ابن حبيب ثابت موجودٌ إلى الآن، معروف عند جميع أهل المدينة، وأما كون المراد بالمسجد المصلى المتخذ للعيدين والاستسقاء، فبعيدٌ لا يليق. قوله: قال في الفتح: دلَّ حديثُ ابن عمر المذكور على أنه كان للجنائز مكانٌ معد للصلاة عليها، فقد يستفاد منه أن ما وقع من الصلاة على بعض الجنائز في المسجد كان لأمر عارض، أو لبيان الجواز، قال: واستدل به على مشروعية الصلاة على الجنائز في المسجد، ويؤيده حديث عائشة: ما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على سُهيل بن بَيضاء إلاّ في المسجد. أخرجه مسلم، وبه قال الجمهور.

وقال مالك: لا يعجبني، وكرهه ابن أبي ذيب وأبو حنيفة وكل من قال بنجاسة الميت. وأما من قال بطهارته منهم فلخشية التلويث، وحملوا الصلاة على سُهيل بأنه كان خارج المسجد والمصلون داخله، وذلك جائز اتفاقًا، وفيه نظر. لأن عائشة استدلت بذلك لما أنكروا عليها أمرها بالمرور بجنازة سعد على حجرتها لتصلى عليه. قلت: "قوله جائز اتفاقًا" قد مرَّ أن المالكية لا فرق عندهم بين أن يكون الميت داخل المسجد أو خارجه، واحتج بعضهم بأن العمل استقر على ترك ذلك، لأن الذين أنكروا ذلك على عائشة كانوا من الصحابة، وَرُدَّ بأن عائشة لما أنكرت ذلك الإِنكار سلموا لها، فدل على أنها حفظت ما سلموه.

قلت: لا دلالة فيها، فقد يسكتون عنها تركًا للمجادلة، توقيرًا لها, ولكونها مجتهدة، وأما النسيان من هذا الجمع الغفير من الصحابة في المدة اليسيرة، فبعيد جدًا. وقد روى ابن أبي شَيبة وغيره أن عمر صلى على أبي بكر في المسجد، وأنّ صهيبًا صلى على عمر في المسجد، وزاد في رواية "ووضعت الجنازة في المسجد تِجاه المنبر" وهذا يقتضي الإجماع على جواز ذلك. قلت: لعل خصوصية الصلاة على هذين في المسجد إنما هي لأجل كونهما يدفنان في المسجد.

<<  <  ج: ص:  >  >>