وهل يمضي قول الخارص أو يرجع إلى ما آل إليه الحال بعد الجفاف؟ الأول قول مالك وطائفة، فإن نقصت من الخرص أخذ المالك به، إلا إن قامت بينة على النقص، وإن زادت على خرصة عنده قولان: هل يجب إخراج الزائد، أو يندب؟ والثاني قول الشافعي، ومن تبعه، وهل يكفي خارص واحدٌ عارفٌ ثقةٌ، أو لابد من اثنين؟ وهما قولان للشافعيّ أظهرهما الثاني. وفائدته جواز التصرف في جميع الثمرة، ولو أتلف المالك الثمرة بعد الخرص أخذت منه الزكاة بحساب ما خرص.
وفي السنن وصحيح ابن حبان عن سهل بن أبي خيثمة، مرفوعًا "إذا خرصتم فجدُّوا، ودعوا الثلث، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع" وقال بظاهره الليث وأحمد وإسحاق وغيرهم. وفهم منه أبو عبيد أنه القدر الذي يأكلونه بحسب احتياجهم إليه. فقال: يترك قدر احتياجهم. وقال مالك وسفيان: لا يترك لهم شيء، وهو المشهور عن الشافعيّ. قال ابن العربيّ: والمتحصل من صحيح النظر أن يعمل بالحديث، وهو قدر المؤونة، ولقد جربناه، فوجدناه، كذلك، في الأغلب مما يؤكل رطبًا.
وفي الحديث أشياء من أعلام النبوءة، كالإخبار عن الريح، وما ذكر في تلك القصة، وفيه تدريب الأتباع، وتعليمهم أخذ الحذر مما يتوقع منه الخوف، وفضل المدينة والأنصار ومشروعية المفاضلة بين الفضلاء بالإجمال والتعيين، ومشروعية الهدية والمكافأة عليها.
[رجاله خمسة]
وفيه لفظ رجل مبهم، وامرأة مبهمة، مر منهم وهيب في تعليق بعد الخامس عشر من الإيمان، ومرَّ عمرو بن يحيى في الخامس عشر منه، ومرَّ أبو حميد الساعديّ في تعليق أول استقبال القبلة، والباقي اثنان: الأول سهل بن بكّار بن بشر الدارمي، ويقال البُرْجُميّ، ويقال القَيْسيّ، أبو بشر البصريّ المكفوف. ذكره ابن حِبّان في الثقات، وقال: ربما وهم وأخطأ، وقال أبو حاتم: ثقة صدوق. قال الدارقطني: ثقة، وقال ابن قانع: صالح، قال في المقدمة: روى عنه البخاريّ في الصحيح حديثين عن وهيب بن خالد، أحدهما في الحج، بمتابعة موسى بن إسماعيل، والآخر في الزكاة بتمامه، وفي الجزية مختصرًا، بمتابعة سليمان بن بلال لوهيب.
وروى عنه أبو داود، وروى له النَّسائيّ، روى عن جرير بن حازم ووهيب بن خالد وشعبة وغيرهم. وروى عنه البخاريُّ وأبو زرعة وأبو حاتم وغيرهم. مات سنة ثمان وعشرين ومئتين.
الثاني: عباس بن سَهل بن سعد الساعديّ، قال ابن مُعين والنَّسائي: ثقة، وقال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث، وذكره ابن حِبّان في الثقات، أدرك زمن عثمان بن عفان، روى عن أبيه وأبي أسِيد وأبي حميد الساعديين وأبي هريرة وغيرهم. وروى عنه أبناه أُبَيّ وعبد المهيمن، وعمرو بن يحيى وغيرهم. مات بالمدينة سنة تسعين في خلافة الوليد بن عبد الملك.