أورد فيه حديث جابر في قصة قتلى أُحد، وليس فيه للشّق ذكر، قال ابن رشيد: قوله في حديث جابر "قدمه في اللحد .. ظاهر في أن الميتَيْن جميعًا في اللحد، ويحتمل أن يكون المقدم في اللحد، والذي يليه في الشق، لمشقة الحفر في الجانب لمكان اثنين، وهذا يؤيد ما تقدم توجيهه، أن المراد بقوله "فكفن أبي وعمي في نَمِرَة واحدة" أي: شقت بينهما، ويحتمل أن يكون ذكر الشق في الترجمة لينبه على أن اللحد أفضل منه, لأنه الذي وقع دفن الشهداء فيه، مع ما كانوا فيه من الجهد والمشقة، فلولا مزيد فضيلة فيه ما عانوه.
وفي السنن لأبي داود وغيره عن ابن عباس مرفوعًا "اللحد لنا والشق لغيرنا" وهو يؤيد فضيلة اللحد على الشق، ومعنى "اللحد لنا" أي: لأجل أموات المسلمين، والشق لأجل أموات الكفار. والمراد بهم أهل الكتاب كما جاء مصرحًا به في مسند الإِمام أحمد من حديث جرير "الشق لأهل الكتاب" وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل اللحد على الشق، منها اما رواه ابن أبي شَيبة عن عائشة، وابن عمر، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- "أوصى أن يُلْحَد له" ومنها حديث سعد بن أبي وقّاص عند مسلم والنَّسائيّ وابن ماجه: أنّ سعدًا قال في مرضه الذي مات فيه: ليجدوا لي لحدًا، وانصبوا عليَّ اللَّبن نصبًا كما فعل برسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ومنها ما أخرجه ابن سعد في الطبقات من حديث أبي طلحة قال: اختلفوا في الشق واللحد للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال المهاجرون: شقوا كما يحفر أهل مكة، وقالت الأنصار: الحدوا كما يحفر بأرضنا، فلما اختلفوا في ذلك قالوا: اللهم خِرْ لنبيك، إبعثوا إلى أبي عبيدة وأبي طلحة، فأيهما جاء قبل الآخر فليعمل عمله. قال: فجاء أبو طلحة، فقال: والله إني لأرجو أن يكون الله قد خار لنبيه أنه كان يرى اللحد فيعجبه، إلى غير هذا من الأحاديث.
والحكمة في اختياره عليه الصلاة والسلام اللحد على الشق، هي كونه استر للميت، وأنه عليه الصلاة والسلام قال للأنصار "المحيا محياكم، والممات مماتكم" فأراد إعلامهم بأنه إنما يموت عندهم، ولا يريد الرجوع إلى بلده مكة، فوافقهم أيضًا في صفة الدفن، واختار الله له ذلك.
وروى السلفي عن أُبَيّ بن كعب يرفعه "أُلحِد لآدم وغُسل بالماء وترا وقالت الملائكة: هذه سنة