قال الطبري: الإِهلال هنا رفع الصوت بالتلبية، وكل رافع صوته بشيء فهو مهلّ به، وأهلّ القوم الهلال هو من هذا لأنهم كانوا يرفعون أصواتهم، وسيأتي اختيار البخاري خلاف ذلك بعد أبواب.
قوله:"وسمعتهم يصرخون بهما جميعًا" أي: بالحج والعمرة، ومراده بذلك من نوى منهم القرآن، ويحتمل أن يكون على سبيل التوزيع، أي: بعضهم بالحج، وبعضهم بالعمرة، قاله الكرماني، ويشكل عليه في الطريق الأخرى يقول: لبيك بحجة وعمرة معًا، وسيأتي إنكار ابن عمر على أنس ذلك، وسيأتي ما فيه في باب التمتع، والقِران.
وفيه حجة للجمهور في استحباب رفع الأصوات بالتلبية للرجل، بحيث لا يضر بنفسه، وقال في "المجموع": لا يستحب رفع الصوت بها في ابتداء الأحرام، بل يسمع نفسه فقط، واختلف الرواة عن مالك فقال ابن القاسم عنه، لا يرفع صوته بالتلبية إلا في المسجد الحرام، ومسجد مني، وقال في "الموطأ": لا يرفع صوته في مسجد الجماعات، ولم يستثن شيئًا، ووجه الاستثناء أن المسجد الحرام جعل للحاج والمعتمر وغيرهما، وكان الملبي إنما يقصد إليه، فكان ذلك وجه الخصوصية، وكذلك مسجد مني.
ومشهور مذهب مالك أنه يندب توسط رفع الصوت بها كما هو نص خليل، وقد ورد في طلب رفع الصوت بها ما أخرجه مالك في "الموطأ" وأصحاب السنن، وصححه الترمذي وابن خزيمة والحاكم عن خلاد بن السائب، عن أبيه مرفوعًا: جاءني جبريل، فأمرني أن آمر أصحابي يرفعون أصواتهم بالإِهلال، ورجاله ثقات إلا أنه اختلف على التابعين في صحابيه، وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح، عن بكر بن عبد الله المزني، قال: كنت مع ابن عمر،