فنسمع منه بعض الآية من سورة لقمان والذاريات ولابن خزيمة عن أنس نحوه لكن قال بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديثُ الغاشية، وقوله أحيانًا: يدل على تكرر ذلك منه واستدل به على جواز الجهر في السرية، وأنه لا سجود سهو على مَنْ فعل ذلك، سواء قلنا كان يفعل ذلك لبيان الجواز أو بغير قصد للاستغراق في التدبر قاله في الفتح. ولعلّه مذهبه. وأما مذهب المالكية فسجود السهو سنة في ترك الجهر في الفاتحة ولو مرة أو في السورة مرتين قبل السلام ويسجد بعد السلام في ترك السر بأن جهر في الفاتحة، أو في السورة مرتين، ومحل الجهر الصبح وأوليا المغرب والعشاء وما عدا ذلك سر.
وأقل الجهر أن يسمع نفسه ومن يليه وأدنى السر أن يسمع نفسه، وأعلاه حركة اللسان وجهر المرأة أن تسمع نفسها، ويسجد عند الحنفية أيضًا سجود السهو. قال العيني: فإن جهر فيما يخافت فيه أو خافت فيما يجهر فيه، فعند أبي حنيفة يسجد للسهو، وعند أبي يوسف إن جهر بحرف سجد، وفي رواية عنه إن زاد فيما يخافت فيه على ما يسمع أذنيه تجب سجدتا السهو والصحيح أنها تجب إذا جهر مقدار ما تجوز به الصلاة. وفي المصنّف ممن كان يجهر بالقراءة في الظهر والعصر خبّاب بن الأرت، وسعيد بن جبير، والأسود، وعلقمة. وعن جابر قال: سألت الشعبي وسالمًا وقاسمًا ومجاهدًا وعطاء عن الرجل الذي يجهر في الظهر والعصر فقالوا: ليس عليه سهو وقال قتادة: إن أنسًا جهر فيهما فلم يسجد، وكذا فعله سعيد بن العاص حين كان أميرًا بالمدينة، وفي التلويح ويستدل لمن قال بسجود السهو بما رواه ابن شاهين في كتابه بسند فيه كلام عن أبي هريرة قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: إذا رأيتم من يجهر بالقراءة في صلاة النهار فارجموه بالبعر.
وفي المصنف عن يحيى بن كثير قالوا: يا رسول الله ان هنا قومًا يجهرون بالقراءة بالنهار. فقال ارموهم بالبعر، وعن الحسن وأبي عبيدة صلاة النهار. وقال صاحب التلويح: حديث ابن عبّاس صلاة النهار عجماء وإن كان بعض الأئمة قال هوحديث لا أصل له باطل فيشبه أن يكون ليس كذلك لما أسلفناه. قال ابن دقيق العيد: فيه دليل على جواز الاكتفاء بظاهر الحال في الأخبار دون التوقف على اليقين لأن الطريق إلى العلم بقراءة السورة في السرية لا يكون إلا بسماع كلها، وإنما يفيد يقين ذلك لو كان في الجهرية، وكأنه ماخوذ من سماع بعضها مع قيام القرينة على قراءة باقيها، ويحتمل أن يكون الرسول عليه الصلاة والسلام كان يخبرهم عقب الصلاة دائمًا أو غالبًا بقراءة السورتين وهو بعيد جدًا.
[رجاله خمسة]
وقد مرّوا جميعًا: مرَّ أبو نعيم في الخامس والأربعين من الإيمان، ومرَّ شيبان بن عبد الرحمن، ويحيى بن أبي كثير في الثالث والخمسين من العلم، ومرّ عبد الله بن أبي قتادة وأبوه في التاسع عشر من الوضوء.