ترجم بعد ثمانية أبواب، باب بناء المسجد على القبر، قال ابن رشيد: الاتخاذ أعم من البناء، فلذلك أفرده بالترجمة، ولفظها يقتضي أن بعض الاتخاذ لا يكره، فكأنه يفصل بين ما إذا ترتبت على الاتخاذ مفسدة أم لا، وقال أيضًا: كأنه قصد بالترجمة الأُولى اتخاذ المساجد في المقبرة لأجل القبور، بحيث لولا تَجَدُّد القبر ما اتخذ المسجد، ويؤيده بناء المسجد في المقبرة على حدته، لئلا يحتاج إلى الصلاة، فيوجد مكان يصلى فيه سوى المقبرة، لذا نُحي به منحى الجواز.
ثم قال: ولما مات الحسن بن الحسن بن عليّ رضي الله تعالى عنهم، ضربت امرأته القبة على قبره سنة، ثم رفعت، فسمعوا صائحًا يقول: ألا هل وجدوا ما فقدوا؟ فأجابه الآخر: بل يئسوا فانقلبوا.
يأتي تعريف الحسن بن الحسن وامرأته قريبًا، والقبة الخيمة، فقد جاء في موضع آخر بلفظ "الفسطاط" كما عند المحامليّ وابن أبي الدنيا، ومناسبة هذا الأثر لحديث الباب هي أن المقيم في الفسطاط لا يخلو من صلاة هناك، فيلزم اتخاذ المسجد عند القبر، وقد يكون القبر في جهة القبلة، فتزداد الكراهة.
وقال ابن المنير: إنما ضربت الخيمة هناك للاستماع بالميت بالقرب منه تعليلًا للنفس، وتخييلًا باستصحاب المألوف من الإِنس، ومكابرة للحس، كما يتعلل بالوقوف على الأطلال البالية، ومخاطبة المنازل الخالية، فجاءتهم الموعظة على لسان الهاتفين، بتقبيح ما صنعوا، وكأنهما من الملائكة أو من مؤمني الجن.
وإنما ذكره البخاريّ لموافقته للأدلة الشرعية لا أنه دليل بنفسه، وكره أحمد أنْ بَضرب على القبر فُسطاطًا، وأوصى إبراهيم مرة أن لا تضربوا على قبري فُسطاطًا. وقال ابن حبيب: ضربه على قبر المرأة أفضل من ضربه على قبر الرجل، وضرب عمر رضي الله تعالى عنه على قبر زينب بنت جحش، وضربت عائشة على قبر أخيها عبد الرحمن، فنزعه ابن عمر، وضرب محمد بن الحَنفية على قبر ابن العَبّاس، وقال ابن حبيب: أراه في اليوم واليومين والثلاثة واسعًا إذا خيف من نبش وغيره. وممن كره ضربه على قبر الرجل ابنُ عمر وأبو سعيد وابن المسيب.