والإعانة بها في سبيل الله، بناء على أنه عليه الصلاة والسلام أجاز لخالد أن يحاسب نفسه بما حبسه فيما يجب عليه، كما سبق. وهي طريقة البخاري.
وأجاب الجمهور بأجوبة أحدها أن المعنى أنه عليه الصلاة والسلام لم يقبل أخبار من أخبره بمنع خالد، حملًا على أنه لم يصرح بالمنع، وإنما نقلوه عنه بناء على ما فهموه، ويكون قوله "تظلمونه" بنسبتكم له إلى المنع، وهو لم يمنع. وكيف يمنع الفرض وقد تطوع بتحبيس سلاحه وخيله؟
ثانيها: أنهم ظنوا أنها للتجارة، فطالبوه بزكاة قيمتها، فأعلمهم عليه الصلاة والسلام بأنه لا زكاة عليه فيما حبس، وهذا يحتاج لنقل خاص، فيكون فيه حجة لمن اسقط الزكاة عن الأموال المحبسة، ولمن أوجبها في عُروض التجارة.
ثالثها: أنه كان نوى بإخراجها من ملكه الزكاة عن ماله؛ لأن أحد الأصناف سبيل الله، وهم المجاهدون، وهذا يقوله من يجيز إخراج القيم في الزكاة، كالحنفية، ومن يجيز التعجيل كالشافعية.
وقد تقدم استدلال البخاري به على إخراج العروض في الزكاة، وقد سبق ما فيه، واستدل بقصة خالد على مشروعية تحبيس الحيوان والسلاح والثياب، وكل ما ينتفع به، مع بقاء عينه. وهذا قول الجمهور. وقال أبو حنيفة: لا يجوز الوقف في شيء إلا أن يحكم به حاكم، أو يكون الوقف مسجدًا أو سقاية أو وصية من الثلث. وقيل: يجوز عنده، إلا أنه لا يلزم، بمنزلة العارية حتى يرجع فيه، أي: وقت شاء، ويورث عنه إذا مات على الأصح. وعند أبي يوسف ومحمد يجوز، ويزول ملك الواقف عنه، غير أنه عند أبي يوسف يزول بمجرد القول، وعند محمد حتى يجعل للوقف وليًا، ويسلمه له.
وفيه صرف الزكاة إلى صنف واحد من الثمانية، وهو قول الجمهور خلافًا للشافعية في وجوب قسمها على الأصناف الثمانية، وتعقب ابن دقيق العبد جميع ذلك بأن القصة واقعة عين محتملة لما ذكر، وغيره، فلا ينهض الاستدلال بها على شيء مما ذكر، ويحتمل أن يكن تحبيس خالد إرصادًا وعدم تصرف، ولا يبعد أن يطلق على ذلك التحبيس، فلا يتعين الاستدلال بذلك لما ذكره.
وفي الحديث بعث الإِمام العمال لجباية الزكاة، وتنبيه الغافل على ما أنعم الله به من نعمة الغنى بعد الفقر ليقوم بحق الله عليه، والعيب على من منع الواجب، وجواز ذكره في غيبته بذلك، وتحمل الإِمام عن بعض رعيته ما يجب عليه، والاعتذار عن بعض الرعية بما يسوغ الاعتذار به.
[رجاله خمسة]
قد مرّوا، وفيه ذكر خالد والعباس وابن جميل. مرّ أبو اليمان وشعيب في السابع من بدء