ويحتمل أن يكون مجموع هذه الأشياء سببًا لاعتزالهن، وهذا هو اللائق بمكارم أخلاقه -صلى الله عليه وسلم-، وسعة صدره وكثرة صفحه، وإن ذلك لم يقع منه حتى تكرر موجبه منهن، -صلى الله عليه وسلم-، ورضي عنهن.
ويؤيد هذا شمول الحلف للجميع، ولو كان مثلًا في قصة مارية لاختص بحفصة وعائشة، وقد وقع التصريح بأن آية التخيير نزلت بعد فراغ الشهر الذي اعتزلهن فيه جميعًا، فقد أخرج الطبريّ والطحاويّ عن عائشة قالت "لما نزل النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى نسائه أمران يخيرهن ... " الحديث. وأخرج مسلم عن ابن عباس عن عمر قال:"لما اعتزل النبي -صلى الله عليه وسلم- نساءه دخلت المسجد .. " الحديث بطوله. وفي آخره قال: وأنزل الله آية التخيير. وهذا المنزع قد مرَّ الكلام عليه مستوفى في باب التناوب في العلم فهو هنا مكرر.
قال بعض العلماء: كان اللائق إيراد هذا الحديث في الباب الماضي، وهو قوله تعالى {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}[البقرة: ١٢٥] والجواب أنه عدل عنه إلى حديث ابن عمر للتنصيص فيه على وقوع الصلاة خلف المقام من فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، بخلاف حديث عمر هذا، فليس فيه التصريح بذلك، ومناسبة الحديث للترجمة هي كما قال الكرمانيّ، أن المراد من الترجمة في القبلة وما يتعلق بها، فأما على قول من فسر مقام إبراهيم بالكعبة، فظاهر، أو بالحرم كله "فمِنْ" في قوله {مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ} للتبعيض، ومصلى أي قبلة، أو بالحجر الذي وقف عليه إبراهيم، وهو الأظهر، فيكون تعلقه بالمتعلق بالقبلة لا بنفس القبلة. وقال ابن رشيد الذي يظهر لي أن تعلق الحديث بالترجمة الإشارة إلى موضع الاجتهاد في القبلة, لأن عمر اجتهد في أن اختار أن يكون المصلى إلى مقام إبراهيم الذي هو في وجه الكعبة، فاختار إحدى جهات القبلة بالاجتهاد، وحصلت موافقته على ذلك، فدل على تصويب اجتهاد المجتهد إذا بذل وسعه. قال في الفتح: ولا يخفى ما فيه.
[رجاله أربعة]
الأول: عمرو بن عون بن أوس بن الجَعْد، أبو عثمان الواسطيّ البزّاز،