فقالت له: أما إني قد رأيت ما صنعت. قال: فكتمي عليّ، وهي عليّ حرام، فانطلقت حفصة إلى عائشة فأخبرتها، فقالت له عائشة: أما يومي فتُعرس فيه بالقِبطية ويسلم لنسائك سائر أيامهن؟ فنزلت الآية.
وجاء في ذلك قول ثالث أخرجه ابن مردويه عن ابن عباس قال: دخلت حفصة على النبي -صلى الله عليه وسلم- بيتها، فوجدت معه مارية، فقال: لا تخبري عائشة حتى أبشرك ببشارة أن أباك يلي هذا الأمر بعد أبي بكر إذا أنا متّ، فذهبت إلى عائشة فأخبرتها، فقالت له عائشة ذلك، والتمست منه أن يحرم مارية، وحرمها، ثم جاء إلى حفصة فقال: أمرتك أن لا تخبري عائشة، فأخبرتها فعاتبها, ولم يعاتبها على أمر الخلافة، ولهذا قال الله تعالى {عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ}[التحريم: ٣].
وجاء في سبب غضبه منهن وحلفه أن لا يدخل عليهن شهرًا، ما أخرجه ابن سعد عن عمرة عن عائشة قالت: أهديت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- هَدية، فأرسل إلى كل امرأة من نسائه نصيبها، فلم ترض زينب بنت جحش بنصيبها، فزادها مرة أخرى فلم ترض، فقالت عائشة: لقد أقمات وجهك؛ ترد عليك الهدية؟ فقال:"لأنتنَّ أهون على الله من أن تقمئنني، لا أدخل عليكن شهرًا". وفي رواية عُروة عنها "ذبحٍ ذبحًا فقسمه بين نسائه، فأرسل إلى زينب نصيبها، فردته، فقال: زيدوها ثلاثًا، كل ذلك ترده"، فذكر نحوه.
وفيه قول آخر أخرجه مسلم عن جابر قال:"جاء أبو بكر والناس جلوس بباب النبي -صلى الله عليه وسلم-، لم يؤذن لأحد منهم، فأذن لأبي بكر، فدخل ثم جاء عمر، فاستأذن فأذن له، فوجد النبي -صلى الله عليه وسلم- جالسًا وحوله نساؤه .... " فذكر الحديث، وفيه "هنّ حولي كما ترى يسألنني النفقة" فقام أبو بكر إلى عائشة، وقام عمر إلى حفصة، ثم اعتزلهن شهرًا، فنزلت آية التخيير.
والراجح من الأقوال كلها قصة مارية لاختصاص عائشة وحفصة بها، بخلاف العسل، فإنه اجتمع فيه جماعة منهن كما سيأتي إن شاء الله تعالى،