قيل: أراد البخاريّ التفرقة بين ما إذا كان السهو بالنقصان أو الزيادة، ففي الأول يسجد قبل السلام، وفي الزيادة يسجد بعده، وبالتفرقة هكذا قال مالك، والمُزَنيّ وأبو ثور من الشافعية، وقال ابن عبد البر: إنه أولى من غيره للجمع بين الخبرين. قال: وهو موافق للنظر، لأنه في النقص جَبْرٌ، فينبغي أن يكون من أصل الصلاة، وفي الزيادة ترغيم للشيطان، فيكون خارجها. وقال ابن دقيق العيد: لا شك أن الجمع أولى من الترجيح وادعاء النسخ، ويترجح الجمع المذكور بالمناسبة المذكورة، وإذا كانت المناسبة ظاهرة، وكان الحكم على وفقها، كانت علة، فيعم الحكم جميع محالها، فلا تخصص إلا بنص.
وتعقب بأن كون السجود في الزيادة ترغيمًا للشيطان فقط ممنوعٌ، بل هو جَبْرًا أيضًا، لما وقع من الخلل، فإنه، وإن كان زيادة، فهو نقص في المعنى، وإنما سمى النبي -صلى الله عليه وسلم-، سجود السهو ترغيمًا للشيطان في حالة الشك، كما في حديث أبي سعيد عند مسلم. قلت: هذا الاعتراض ساقط، لأنهم لم يقولوا: إن السجود في الزيادة ترغيم فقط، وكونه جبرًا مع الترغيم غير قادح في المناسبة المذكورة. وقال الخطابيّ: لم يرجع من فرق بين الزيادة والنقصان إلى فرق صحيح، وقد مرت مذاهب الأئمة، في كون السجود قبل السلام أو بعده، مستوفاةً في باب التوجه نحو القبلة، حيث كان عند حديث ابن مسعود من أبواب استقبال القبلة.
قوله: صلى الظهر خمسًا، كذا جزم به الحكم، وقد تقدم في أبواب القبلة من رواية منصور عن إبراهيم أتم من هذا السياق، وفيه قال إبراهيم: لا أدري زاد أو نقص. وقوله: فقيل له أزيد في الصلاة، فقال: وما ذاك؟، أخرجه مسلم وأبو داود عن إبراهيم بن سُوَيد النخعيّ عن ابن مسعود بلفظ "فلما انْفتل تَشَوَّشَ القومُ بينهم، فقال: "مالكم"؟ فقالوا: يا رسول الله: هل زِيد في الصلاة؟ قال: لا فتبين، أن سؤالهم عن ذلك كان بعد استفساره لهم عن مسارَرتهِم، وهو دال على عظيم أدبهم معه، عليه الصلاة والسلام.