وذهب ابن عبد البَرّ وابن بَطال وابن حَزْم إلى وجوب التخفيف تمسكًا بظاهر الأمر في قوله "فَلْيُخَفِّف" وعبارة ابن عبد البَرّ في هذا الحديث أوضح الدلائل على أن أئمة الجماعة يلزمهم التخفيف، لأمره عليه الصلاة والسلام إياهم بذلك، ولا يجوز لهم التطويل, لأن في الأمر لهم بالتخفيف نهيًا عن التطويل، والمراد بالتخفيف أن يكون بحيث لا يخل بسننها ومقاصدها، وقد مرَّ قريبًا أن بعض الشافعية قالَ بجواز تطويل القراءة ولو خرج الوقت، ومرَّ عدم صحته، ولكن على تقدير صحته مقيد بما إذا وقع ركعة في الوقت، كما ذكر المَسْنَويّ أنه المتجه، وقيدوا التطويل أيضًا بما إذا لم يحوج إلى سهو، فإن أدّى إليه كره، ولا يكون إلا في الأركان التي تحتمل الطول، وهي القيام والركوع والسجود لا الاعتدال والجلوس بين السجدتين، قاله القَسْطَلانيّ.
قلت: مشهور مذهب مالك أن الطول في المحل الذي لا يشرع فيه التطويل يسن فيه سجود البعديّ، كالرفع من الركوع والجلوس بين السجدتين، ومن استَوْفَز للقيام على يديه وركبتيه، والذي يشرع فيه التطويل لا يسن فيه السجود إلا إذا زاد على الحد، فيسجد، وكان سعد إذا صلّى في المسجد خفف الركوع والسجود وتجوّز، وإذا صلى في بيته أطال الركوع والصلاة، فقيل له، فقال: انا أئمة يُقتدى بنا. وصلى الزُّبَيْر بن العَوَّام صلاة خفيفة فقيل له: أنتم أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أخف الناس صلاة، فقال: إنا نبادر هذا الوسواس، وقالَ عمار: احذفوا هذه الصلاة قبل وسوسة الشيطان، وفي هذا المعنى آثار كثيرة ذكرها ابن أبي شَيْبَةَ في مصنفه.
[رجاله خمسة]
وقد مروا جميعًا، مرَّ عبد الله بن يوسُف ومالك في الثاني من بدء الوحي، ومرَّ أبو الزّناد والأعْرج في السابع من الإيمان, ومرَّ أبو هُرَيرة في الثاني منه. ثم قال المصنف:
[باب من شكا إمامه إذا طول]
فيه حديث أبي مسعود وجابر، وهما ظاهران في الترجمة.
ثم قال أبو أُسَيد: طوّلت بنا يا بنيّ.
والتعليق عن أبي أُسَيد وصله ابن أبي شَيْبَةَ من رواية المُنذر بن أبي أُسيد، قال: كان أَبيْ يصلي خلفي، فربما قال: طولت بنا يا بني اليوم. وفيه حجة على من كره للرجل أن يؤم أباه، وفي خط البدر الزَّرْكَشِيّ أنه رأى في بعض نسخ البُخاريّ، وكره عطاء أن يؤم الرجل أباه، فإن شئت ذلك فقد وصل ابن أبي شَيْبَةَ هذا التعليق، وكأنّ المنذر كان إمامًا راتبًا في المسجد، واستفيد من وصل التعليق تسمية الابن المبهم، وهو المنذر بن أبي أُسَيد السَّاعِدِيّ الأنصاريّ، ولد في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- فسماه المُنذر، روى عن أبيه وعنه ابنه الزُّبير وعبد الرحمن بن سُليمان بن الغَسيل، ذكره ابن حِبّان في الثقات، وقال: يقال كان مولده في زمان النبي -صلى الله عليه وسلم-, وما قاله ثبت عند البُخاريّ ومسلم