قوله:"فضل الحرم"، أي: المكي، وهو ما أحاط بمكة وأطاف بها من جوانبها، جعل الله تعالى له حكمها في الحرمة تشريفًا لها، وسمي حرمًا لتحريم الله تعالى فيه كثيرًا مما ليس بمحرم في غيره من المواضع وحده من طريق المدينة عند التنعيم على ثلاثة أميال من مكة، وقيل: أربعة، ومن طريق اليمن طرف أَضاة لِبْن بفتح الهمزة والضاد المعجمة، ولبن بكسر اللام وسكون الموحدة على ستة أميال من مكة، وقيل: سبعة، ومن طريق الجعرانة على تسعة أميال بتقديم المثناة الفوقية على السين، ومن طريق الطائف على عرفات من بطن غرة سبعة أميال، وقيل: ثمانية، ومن طريق جدة عشرة أميال، وقال الرافعي: هو من طريق المدينة على ثلاثة أميال، ومن العراق على سبعة، ومن الجعرانة على تسعة أميال، ومن الطائف على سبعة، ومن جدة على عشرة، وقد نظم ذلك بعضهم، فقال:
وللحرم التحديد من أرض طيبة ... ثلاثة أميال إذا رمت إتقانه
وسبعة أميال عراق وطائف ... وجدة عشر ثم تسع جعرانة
وزاد أبو الفضل هنا بيتين، فقال:
ومن يمن سبع بتقديم سينها ... فسل ربك الوهاب يرزقك غفرانه
وقد زيد في حد لطائف أربع ... ولم يرض جمهور كذا القول رجحانه
وقال ابن سراقة في كتابه "الأعداد": الحرم موضع واحد في الأرض وهو مكة وما حولها، ومسافة ذلك ستة عشر ميلًا في مثلها وذلك بريد واحد، وثلث في بريد، وثلث على الترتيب، والسبب في بعد بعض الحدود وقرب بعضها ما قيل إن الله تعالى لما أَهبط على آدم بيتًا من ياقوتة أضاء لها ما بين المشرق والمغرب، فنفرت الجن والشياطين ليقربوا منها، فاستعاذ منهم بالله، وخاف على نفسه منهم، فبعث الله ملائكة فحفوا بمكة فوقفوا مكان الحرم، وذكر بعض