قوله: من صلاتكم، قال القرطبيّ: مِن للتبعيض، والمراد بها النوافل لحديث الصحيحين "صلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته، إلا المكتوية" وإنما شرع ذلك لكونه أبعد من الرياء، ولتنزل الرحمة فيها والملائكة، لكن استُثني منه نفل يوم الجمعة قبل صلاتها، فالأفضل كونه في الجامع، لفضل البكور. وركعتا الطواف والإحرام والتراويح. قلت: وكذا جميع الرواتب القبلية. وحكى عياض أن معناه: اجعلوا بعض فرائضكم في بيوتكم ليقتدي بكم من لا يخرج إلى المسجد من نسوة وغيرهن. وهذا، وإن كان محتملًا، لكن الأول هو الراجح.
وقال النوويّ: لا يجوز حمله على الفريضة. وقوله: ولا تتخذوها قبورًا، مهجورة من الصلاة، وهو من التشبيه البليغ بحذف حرف التشبيه للمبالغة، وهو تشبيه البيت الذي لا يصلَّى فيه بالقبر الذي لا يتمكن الميت من العبادة فيه. وقد حمل المؤلف الحديث على النهي عن الصلاة في المقابر، وترجم له وكأنَّه استنبط ذلك من قوله "ولا تتخذوها قبورًا" فإن القبور ليست محلًا للعبادة، فتكون الصلاة فيها مكروهة. وتُعُقب بأنه ليس فيه تعرّض لجواز الصلاة في المقابر ولا منعها، وإنما المراد منه الندب إلى الصلاة في البيوت, لأن الموتى لا يصلُّون، كأنه قال: لا تكونوا كالموتى الذين لا يصلون في بيوتهم، وهي القبور، حيث انقطعت عنهم الأعمال وارتفعت التكاليف، ولو أريد ما تأَوله المؤلف لقال: مقابر.