وقال البَيْهَقِيّ في "المدخل" عن أبي حامد الأعمش: سمعت مسلم ابن الحجاج وجاء إلى محمَّد بن إسماعيل فَقَيَّلَ عينيه، وقال: دعني حتى أُقبل رجليك يا أستاذ الأُسْتاذِين، ويا سيد المحدثين، وطبيب الحديث في علله، حدثك محمَّد بن سلام، حدثنا مَخْلد بن يزيد، أخبرني ابن جريج، حدثني موسى بن عُقْبة، عن سُهَيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هُريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: كفارة المجلس أن يقول إذا قام من مجلسه سُبحانك ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت ... الخ، فقال له البخاري: هذا حديث مليح، ولا أعلم بهذا الإِسناد في الدنيا حديثًا غير هذا، إلا أنه معلول، فإن موسى بن عُقْبة لا يذكر له مسند عن سُهيل، ولكن قل: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا وُهَيْب، حدثنا سُهَيْل، عن عَوْن بن عبد الله، قال البُخاري: فهذا أولى. وفي رواية أنه لما قال له: معلول، قال مسلم: لا إله إلا الله، وارتعد، وقال: أخبرني، ثم قال له: لا يبغضك إلا حاسد، وأشهد أنه ليس في الدنيا مثلك.
فضائِلُ الجامعِ الصحيح
ومن فضائل كتابه "الجامع الصحيح" ما رواه الفِرَبْري، قال: سمعت البُخاري يقول: ما وضعت في كتاب الصحيح حديثًا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين، وفي رواية البُجَيْري: صنفت كتابي الجامع في المسجد الحرام، وما أدخلت فيه حديثًا حتى استخرت الله تعالى، وصليت ركعتين، وتيقنت صحته، ومعنى كونه صنفه في المسجد الحرام: أنه ابتدأ تصنيفه وترتيبه وأبوابه في المسجد الحرام، ثم كان بعد ذلك يخرج الأحاديث في بلده وغيره، ويدل عليه قوله: صنفت "الجامع" من ست مئة حديث في ست عشرة سنة، وجعلته حجة فيما بيني وبين الله تعالى؛ فإنه لم يجاور بمكة هذه المدة، وروى ابن عَدِيّ عن جماعة من المشايخ أن البخاري حول تراجم "جامعه" بين قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنبره، وكان يصلي لكل ترجمة ركعتين، ولا ينافي هذا ما تقدم، لأنه يحمل على أنه في الأول كتبه