يجاوزها. وفي "المحيط" الصحيح أنه يعتبر مجاوزة عمران العصر، إلاَّ إذا كان ثمة قرية أو قرى متصلة بربض العصر فحينئذ تعتبر مجاوزة القرى.
ثم قال: وخرج علي فقصر، وهو يرى البيوت، فلما رجع قيل له: هذه الكوفة. قال: لا، حتى ندخلها. وفهم ابن بطال من قوله: لا، حتى ندخلها، إنه امتنع من الصلاة حتى يدخل الكوفة. قال: لأنه لو صلّى فقصر ساغ له ذلك، لكنه اختار أن يتم لاتساع الوقت. وقد تبين من سياق أثر علي أن الأمر على خلاف ما فهمه ابن بطال، وأنَّ المراد بقولهم هذه الكوفة، أي: فأتم الصلاة، فقال: لا، حتى ندخلها أي: لا نزال نقصر حتى ندخلها، فإنَّا ما لم ندخلها في حكم المسافرين، وهذا هو صريح رواية البيهقي للأثر المذكور، ففيه: خرجنا مع علي متوجهين إلى الشام، فصلَّى ركعتين ركعتين حتى إذا رجعنا إلى الكوفة، حضرت الصلاة. قالوا: يا أمير المؤمنين، هذه الكوفة أتِمَّ الصلاة. قال: لا، حتى ندخلها.
وكذلك رواية الحاكم عن وقاء بن إياس بكسر الواو، ففيها: فقصرنا الصلاة ونحن نرى البيوت، ثم رجعنا فقصرنا، ونحن نرى البيوت، أي: فهو لا يزال يقصر حتى يدخل بيوت العصر. ورُوي قول عند المالكية: بأنه إذا قارب المصر بأقل من الميل يتم. وهذا الأثر وصله الحاكم من رواية الثوري عن وِقاء بن إياس وأخرجه البيهقي، وعلي قد مرّ في السابع والأربعين من العلم.
[الحديث العاشر]
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّيْتُ الظُّهْرَ مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَبِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ.
قوله:"وبذي الحليفة ركعتين" في رواية الكشميهنيّ، والعصر بذي الحليفة ركعتين وهي ثابتة في رواية مسلم. وكذا في رواية أبي قلاية عن أنس عند المصنف في الحج، وأستدل به على استباحة قصر الصلاة في السفر القصير؛ لأن بين المدينة وذي الحليفة ستة أميال، وتعقب بأن ذا الحليفة لم تكن منتهى السفر، وإنما خرج إليها حيث كان قاصدًا إلى مكة فاتفق نزوله بها وكانت أوّل صلاة حضرت بها العصر فقصرها واستمر يقصر إلى أن رجع، ومناسبة أثر علي لحديث أنس ثم لحديث عائشة أن أثر علي قال على إن القصر يشرع بفراق الحضر، وكونه -صلى الله عليه وسلم- لم يقصر حتى رأى ذا الحليفة إنما هو لكونه أول منزل نزله، ولم يحضر قبله وقت صلاة، ويؤيده حديث عائشة ففيه تعليق الحكم بالسفر والحضر، فحيث وجد السفر، شُرع القصر، وحيث وجد الحضر، شُرع الإتمام، واستدل به على إن مَنْ أراد السفر لا يقصر حتى يبرز من البلد، خلافًا لمن قال من السلف: يقصر ولو في بيته، كما مرَّ وفيه حجة على مجاهد في قوله: المار لا يقصر حتى يدخل الليل.