أي: هذا باب في بيان حكم الكفن بالثياب البِيض، بكسر الباء جمع أبيض، شرع في بيان أحكام الكفن بعد الفراغ من الغسل.
[الحديث السادس والعشرون]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كُفِّنَ فِي ثَلاَثَةِ أَثْوَابٍ يَمَانِيَةٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ مِنْ كُرْسُفٍ، لَيْسَ فِيهِنَّ قَمِيصٌ وَلاَ عِمَامَةٌ.
تقرير الاستدلال بحديث عائشة هو أن الله لم يكن ليختار لنبيه إلا الأفضل، وكأنَّ المصنف لم يثبت على شرطه الحديثُ الصريح في الباب، وهو ما رواه أصحاب السنن عن ابن عباس بلفظ "ألبسوا ثيابَ البياض، فإنها أطهر وأطيب، وكفنوا فيها موتاكم" صححه التِّرْمِذِيّ والحاكم، وله شاهد عن سمرة ابن جُنْدُب، أخرجوه وإسناده صحيح أيضًا. وحكى بعض من ألّف في الخلاف عن الحنفية أن المستحب عندهم أن يكون في أحدها ثوبُ حِبْرَةٍ، وكأنهم أخذوا بما روي أنه عليه الصلاة والسلام كُفَّن في ثوبين وبُرْدِ حِبْرَة. أخرجه أبو داود عن جابر، وإسناده حسن.
لكن روى مسلم والتِّرْمِذِيّ عن عائشة أنهم نزعوها عنه، قال الترمذي: وتكفينه في ثلاثة أثواب بيض أصحُّ ما ورد في كفنه. وقال عبد الرزاق عن هشام بن عُروة: لُفَّ في بردِ حِبرة جفف فيه، ثم نُزع عنه، ويمكن أن يستدل لهم بعموم حديث أنس "كان أحبَّ اللباس إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الحِبْرَةُ" أخرجه الشيخان، وسيأتي في اللباس إنْ شاء الله تعالى.
وفي مسلم "إذا كَفَّن أحدكم أخاه، فليحسن كفنه". قال النوويّ: المراد بأحسن الكفن بياضُه ونظافتُه، قال البَغَويّ: وثوب القطن أولى. قوله: يمانِيَةٌ، بتخفيف الياء نسبة إلى اليمن وإنما خففوا الياء وإن كان القياس تشديد ياء النسب لأنهم حذفوا ياء النسب، لزيادة الألف، وكان الأصل يمنية، وقوله: سَحُوليّة، بفتح السين وتشديد المثناة التحتية، نسبة إلى السَّحُول، وهو القَصَّار, لأنه يسحلها، أي: يغسلها، أو إلى سَحُول قريةٍ باليمن. وقيل بالضم، قرية أيضًا، وقيل بالضم الثياب البِيض.