باب المشي إلى الجمعة وقوله الله جلّ ذِكره {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} ومَنْ قال السعي العمل والذهاب لقوله تعالى: {وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا}.
قال ابن المنير: لما قابل الله بين الأمر بالسعي والنهي عن البيع: دلّ على أن المراد بالسعي العمل الذي هو الطاعة؛ لأنه هو الذي يقابل بسعي الدنيا كالبيع والصناعة، والحاصل أن المأمور به سعي الآخرة، والمنهي عنه سعي الدنيا. وفي "الموطأ" عن مالك أنه سأل ابن شهاب عن هذه الآية فقال: كان عمر يقرؤها إذا نودي للصلاة فامضوا وكأنه فسر السعي بالذهاب. قال مالك: وإنما السعي العمل لقوله تعالى: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ} و {وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى} فليس المراد بالسعي الاشتداد. ثم قال: وقال ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- يحرم البيع حينئذ أي: إذا نودي بالصلاة. والأثر ذكره ابن حزم من طريق عكرمة عن ابن عباس بلفظ:"لا يصح البيع يوم الجمعة حين ينادى للصلاة، فإذا قضيت الصلاة فاشتِر وبعْ". ورواه ابن مردويه من وجه آخر عن ابن عباس، وإلى القول بالتحريم ذهب الجمهور وابتداؤه عندهم من حين الأذان بين يدي الإِمام؛ لأنه الذي كان في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- كما يأتي قريبًا.
وقد روى عمر بن شبة في أخبار المدينة عن مكحول "أن النداء كان على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- يؤذن يوم الجمعة مؤذن واحد حين يخوج الإِمام وذلك النداء هو الذي يحوم عنده البيع" وهو مرسل يعتضد بشواهد تأتي، وأما الذي عند الزوال فيجوز عندهم البيع فيه مع الكراهة قاله في "الفتح"، لكن مذهب مالك لا كراهة، وهل يصح البيع مع القول بالتحريم؟ قولان مبنيان على أن النهي هل يقتضي الفساد مطلقًا أو لا، ومشهور مذهب مالك أن كل معاملة وقعت في ذلك الوقت تفسخ إلا النكاح والهبة والصدقة، فتمضي مع المنع وتلزم قيمة المبيع عند فواته.
وقد مرّ بعض الكلام على هذا المنزع عند باب فرض الجمعة أول الكتاب، ومرّ ابن عباس في الخامس من بدء الوحي.
ثم قال: وقال عطاء: وتحرم الصناعات كلها وصله عبد بن حميد في تفسيره بلفظ إذا نودي بالأذان حرم اللهو والبيع والصناعات كلها والرقاد، وأن يأتي الرجل أهله، وأن يكتب كتابًا، وبهذا قال الجمهور أيضًا. ومرّ عطاء في التاسع والثلاثين من العلم.
ثم قال: وقال إبراهيم بن سعد عن الزهري إذا أذن المؤذن يوم الجمعة وهو مسافر فعليه أن يشهد قوله وهو مسافر أي: الرجل قال في "الفتح": لم أره من رواية إبراهيم وقد ذكره ابن المنذر عن