مسلم رداءه فوق عمامته، وقام على رؤوس الناس، فبعث إلى الذُّهْلِيُّ جميع ما كتبه عنه على ظهر جمال. قال ابن حَجَر: أنصف مسلم، فلم يحدث في كتابه عن هذا ولا عن هذا.
ولما قام مُسلم وأحمد بن سَلَمة من مجلس محمَّد بن يحيى الذُّهْلِيّ بسبب البُخاري، قال الذُّهْلِيّ: لا يساكنني هذا الرجل في البلد، فخشي البخاري، وسافر، قال أحمد بن سَلَمة: دخلت على البخاري فقلت له: يا أبا عبد الله: إن هذا رجل مقبولٌ في خُراسان لا سيما في هذه المدينة، وقد لَجَّ في هذا الأمر حتى لا يقدر أحد منا أن يكلمه فيه فما ترى؟ فقبض على لحيته ثم قال:{وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}[غافر: ٤٤]. ثم قال: اللهم إنك تعلم أَني لم أرد المقام بنيسابور أَشرًا ولا بطرًا ولا طلبًا للرياسة، وإنما أبت نفسي الرجوع إلى الوطن لغلبة المخالفين، وقد قصدني هذا الرجل حسدًا لما آتاني الله لا غير، ثم قال لي: يا أحمد إني خارج غدًا لتخلصوا من حديثه لأجلي.
[رجوعه إلى بخارى]
فخرج إلى بخارى، ولما رجع لها نصبت له القباب على فرسخٍ من البلد، واستقبله عامة أهل البلد حتى لم يبق مذكور، ونثر عليه الدنانير والدراهم، فبقي مدة ثم وقع بينه وبين أمير بخارى خالد بن أحمد الذُّهْلِيّ ما وقع، فأمر بخروجه، وذلك أن الأمير بعث إليه أن احمل إليَّ "الجامع" و"التاريخ" لأسمع منك، فقال البخاري لرسوله: قل له: إني لا أذل العلم، ولا أحمله إلى أبواب السلاطين، فإن كانت له حاجة إلى شيء منه فليحضر في مسجدي، أو في داري، فإن لم يُعْجِبْك هذا فأنت سلطان، فامنعني من المجلس ليكون لي عذر عند الله يوم القيامة، فإني لا أكتم العلم، فكان هذا سبب الوَحْشة بينهما؛ فاستعان عليه الأمير بحُرَيْث بن أبي وَرْقاء وغيره من أهل بُخارى حتى تكلموا في مذهبه، فنفاه عن البلد، فدعا عليهم، فقال: اللهم أرِهِم ما قصدوني به في أنفسهم،