وقوله: أشْعِرنها إياه، أمر من الإشعار، أي اجعلنه شعارها، أي الثوب الذي يلي جسدها، سمي شعارًا لأنه يلي شعر الجسد، والدثار ما فوقه، والحكمة فيه التبرك بآثاره الشريفة، والحكمة في تأخيره الإزار معه إلى أن يفرغن من الغُسل، ولم يناولهن إياه أولًا، ليكون قريب العهد من جسده الكريم، حتى لا يكون بين انتقاله من جسده إلى جسدها فاصلٌ، وهو أصل في التبرك بآثار الصالحين وتأتي صفة الإشعار في باب مفرد، وفيه جوز تكفين المرأة في ثوب الرجل، ويأتي في باب مفرد، وفيه ما يدل على أنّ النساء أحق بغسل المرأة من الزوج، وبه قال الحسن والثُّوْرِيّ والشعبيّ وأبو حنيفة.
والجمهور على خلافه، وهو قول الثلاثة والاوزاعي وإسحاق، وقد وصّت فاطمة زوجها عليًا رضي الله تعالى عنهما بذلك، كما رواه البيهقي وابن الجوزيّ، وفي إسناده عبد الله بن نافع متكلَّمٌ فيه، وكان الإِيصاء بحضرة الصحابة، ولم ينكر أحد، فصار إجماعًا. وفي "المبسوط" و"المحيط" و"البدائع" أن ابن مسعود سئل عن فعل عليّ، رضي الله تعالى عنه، فقال: إنها زوجته في الدنيا والآخرة، يعني أن الزوجية باقية بينهما لم تنقطع، قال بعضهم: وفيه نظر، لأنّ الزوجية لو بقيت بينهما ما تزوج أُمامة بنت زينب بعد موت فاطمة، رضي الله تعالى عنها، وقد مات عن أربع حرائر.
قلت: هذا الاعتراض ساقط، لأنّ بقاء الزوجية في الآخرة لا يترتب عليه ما يترتب على الزوجية الدنيوية من الأحكام، ألا ترى عثمان رضي الله تعالى عنه تزوج أم كلثوم بعد رقية رضي الله تعالى عنهما؟ وقد ثبت أنهما زوجتاه في الجنة. فبالموت تسقط الأحكام الدنيوية، فتأمل.
[رجاله خمسة]
قد مرّوا، مرَّ إسماعيل بن أبي أُويس في الخامس عشر من الإِيمان، ومرَّ أيوب في التاسع منه، ومرَّ محمد بن سيرين في الأربعين منه، ومرَّ مالك في الثاني من بدء الوحي، ومرت أم عطية في الثاني والثلاثين من الوضوء، وابنته، عليه الصلاة والسلام، المغسولة قيل: زينب، وقيل أم كلثوم. وقد مرتا مع عطية.
[لطائف إسناده]
فيه التحديث بالجمع والإِفراد والعنعنة والقول، ورواته مدنيان وبصريان، وفيه رواية التابعيّ عن التابعيّ عن الصحابة، أخرجه البخاريّ من أحد عشر طريقًا أولها في الوضوء. وأخرجه مسلم في الجنائز، وكذلك التِّرمذيّ والنَّسائيّ. ثم قال المصنف: