قوله: لما توفي، ذكر الواقديُّ والحاكم في الإِكليل، أن وفاته كانت بعد مُنْصَرَفهم من تبوك، وذلك في ذي القعدة سنة تسع، وكان قد تخلف هو ومن تبعه عن غزوة تبوك، وفيهم نزلت:{لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا} وهذا يدفع قول ابن التين: إن هذه القصة كانت في أول الإِسلام قبل تقرير الأحكام. ويأتي تعريفه وتعريف ابنه في سند الحديث.
قوله: جاء ابنه، في رواية الطبريّ عن الشعبيّ "لما احتضر عبد الله، جاء ابنه عبد الله إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقال: يا نبي الله، إن أبي قد احتضر، فأحبُّ أنْ تشهده، وتصلي عليه. قال: ما اسمك قال الحُبَاب، أي بضم المهملة وموحدتين مخففًا، قال: بل أنت عبد الله، الحُبابُ اسم الشيطان.
وكان ابنه عبد الله هذا من فضلاء الصحابة، كما يأتي في تعريفه قريبًا، وكأنه كان يحمل أمر أبيه على ظاهر الإِسلام، فلذلك التمس من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يحضر عنده ويصلي عليه، ولاسيما وقد ورد ما يدل على أنه فعل هذا بعهدٍ من أبيه، ويؤيد ذلك ما أخرجه عبد الرزاق والطبريّ كلاهما عن قتادة قال: أرسل عبد الله بن أُبي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما دخل عليه قال: "أهلكك حب اليَهود"، فقال: يا رسول الله، إنما أرسلت إليك لتستغفر لي لا لتوبخني، ثم سأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه، فأجابه.
وهذا مرسل مع ثقة رجاله، ويعضده ما أخرجه الطبرانيّ عن ابن عباس قال: لما مرض عبد الله بن أُبيّ، جاء النبي -صلى الله عليه وسلم-، فكلمه فقال: فهمت ما تقول، فامنن عليّ فكفني في قميصك، وصل عليّ. والأحسن في الجواب عن هذا أن عبد الله أراد بهذا دفع العار عن ولده وعشيرته بعد موته، فأظهر الرغبة في صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ووقعت إجابته إلى سؤاله بحسب ما ظهر من حاله إلى أن كشف الله الغطاء عن ذلك كما سيأتي.