للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالزجاجة الخضراء، وبالكوكب الدري فلا ينافي ذلك؛ فإن كثيرًا ممن يحدث له في عينه النتوء يبقى معه الإدراك، فيكون الدجال من هذا القبيل، وقال البيضاوي: الظفرة لحمة تنبت عند المآق، وقيل: جلدة تخرج في العين من الجانب الذي يلي الأنف، ولا يمنع أن تكون في العين السالمة، بحيث لا تواري الحدقة بأسرها بل تكون على حدتها، قال ابن العربي: في اختلاف صفات الدجال بما ذكر من النقص، بيان أنه لا يدفع النقص عن نفسه، كيف كان، وأنه محكوم عليه في نفسه، وقال القاضي عياض: في هذه الأحاديث حجة لأهل السنة في صحة وجود الدجال، وأنه شخص معين يبتلي به الله العباد، ويقدره على أشياء كإحياء الميت الذي يقتله، وظهور الخصب، والأنهار، والجنة، والنار، واتباع كنوز الأرض له، وأمره السماء فتمطر، والأرض فتنبت، وكل ذلك بمشيئة الله، ثم يعجزه الله فلا يقدر على قتل ذلك الرجل، ولا غيره، ثم يبطل أمره، ويقتله عيسى بن مريم، وقد خالف في ذلك بعض الخوارج والمعتزلة والجهمية؛ فأنكروا وجوده، وردوا الأحاديث الصحيحة، وذهب طوائف منهم كالجبائي إلى أنه صحيح الوجود، لكن كل الذي معه مخاريق وخيالات لا حقيقة لها، وألجأهم إلى ذلك أنه لو كان ما معه بطريق الحقيقة لم يوثق بمعجزات الأنبياء، وهو غلط منهم؛ لأنه لم يدع النبوءة فتكون الخوارق على صدقه وإنما ادعى الإلهية، وصورة حاله تكذبه لعجزه ونقصه، فلا يغتر به إلا رعاع الناس، إما لشدة الحاجة والفاقة، وإما تَقِيَّةً وخوفًا من أذاه وشرِّه، مع سرعة مروره في الأرض، فلا يمكث حتى يتأمل الضعفاء حاله فمن صدقه في تلك الحال لم يلزم منه بطلان معجزات الأنبياء، ولهذا يقول له الذي يحييه بعد أن يقتله: ما ازددت فيك إلا بصيرة، ولا يعكر على ذلك ما ورد في حديث أبي أمامة عند ابن ماجه أنه يبدأ فيقول: أنا نبي، ثم يثني فيقول: أنار ربكم، فإنه يحمل على أنه إنما يظهر الخوارق بعد قوله الثاني، وفي حديث أبي أمامة: وإن من فتنته أن يقول للأعرابي: أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك؛ أتشهد أني ربك؟ فيقول: نعم، فيمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه يقولان له: يا بني!! اتبعه فإنه ربك، وإن من فتنته أن يمر بالحي فيكذبونه، فلا تبقى لهم سائمة إلا هلك، ويمر بالحي فيصدقونه، فيأمر السماء أن تمطر والأرض أن تنبت فتمطر وتنبت حتى تروح مواشيهم من يومهم ذلك أسمن ما كان، وأعظم، وأمده خواصر، وأدره ضروعًا.

[رجاله ستة]

قد مرّوا: مرَّ الأربعة الأول بهذا النسق في الثالث من بدء الوحي، ومرَّ عبيد الله المسعودي في السادس منه، ومرَّ أبو سعيد في الثاني عشر من الإيمان، وفي الحديث لفظ رجل مبهم، وقد قيل: إنه الخضر عليه السلام، وقد مرَّ في الخامس عشر من العلم؛ أخرجه البخاري أيضًا، ومسلم في الفتن، والنسائي في الحج.

ثم قال المصنف:

<<  <  ج: ص:  >  >>