قوله: قدمه في اللحد مما يلي القبلة، وحق لقارىء القرآن الذي خالط لحمه ودمه، وأخذ بمجامعه أن يقدم على غيره في حياته في الإِمامة، وفي مماته في القبر. وفيه تقديم الأفضل فيقدم الرجل ولو أمِّيًا ثم الصبي ثم الخنثى ثم المرأة فإن اتحد النوع، قدم بالأفضلية المعروفة في نظائره، كالأفقه والأقرأ، إلا الأب فيقدم على الابن، وإنْ فَضَله للابن لحرمة الأبوة، وكذا الأم مع البنت.
[رجاله ستة]
قد مرّوا، مرَّ محمد بن مقاتل في السابع من العلم، وعبد الله بن المبارك في السادس من بدء الوحي، والباقون هم رجال الذي قبله.
ثم قال: قال ابن المبارك: وأخبرنا الأوزاعي عن الزهريّ عن جابر بن عبد الله، رضي الله تعالى عنهما، "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول لقتلى أُحُد: أيّ: هؤلاء أكثر أخذًا للقرآن؟ فهذا أشير له إلى رجل قدمه في اللحد قبل صاحبه"، وقال جابر:"فكفن أبي وعمي في نَمِرَة واحدة".
قوله: قال ابن المبارك، في رواية أبي ذرٍّ "وأخبرنا ابن المبارك" وهو بالإِسناد الأول محمد بن مقاتل أخبرنا عبد الله أخبرنا الأوزاعيّ عن الزُّهريّ. وقوله عن جابر، منقطع, لأن ابن شهاب لم يسمع من جابر، زاد ابن سعد في الطبقات "عن الوليد بن مسلم حدثني الأوزاعي" بهذا الإِسناد قال: "زمِّلوهم بجراحهم، فإنّي أنا الشهيد عليهم، ما من مسلم يُكْلَم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة يسيل دمًا .. " الحديث.
وقوله: وقال جابر: فكفن أبي وعمي، عمه المراد به عمرو بن الجَمُوح الآتي تعريفه قريبًا، وكان صديق والد جابر، وزوج أخته هند بنت عمرو، وكان جابرًا سماه عمه تعظيمًا له. قال ابن إسحاق في المغازي: حدثني أبي عن رجال من بني سلمة أن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال حين أصيب عبد الله بن عمرو، وعمرو بن الجَموح:"اجمعوا بينهما، فإنهما كانا متصادقين في الدنيا" وفي مغازي الواقديّ عن عائشة أنها رأت هند بنت عمرو تسوق بعيرًا لها، عليه زوجها عمرو بن الجموح، وأخوها عبد الله بن عمرو بن حَرام لتدفنهما بالمدينة، ثم أمر -صلى الله عليه وسلم- بِرَدِّ القتلى إلى مضاجعهم.
وأما قول الدمياطيّ أن قوله "وعمي" وهمٌ، فليس بجيد, لأن له محملًا سائغًا، والتجوز في مثل هذا يقع كثيرًا. وحكى الكرمانيّ عن غيره أن قوله "وعمي" تصحيف من عمرو، وقد روى أحمد بإسناد حسن عن أبي قتادة قال: قتل عمرو بن الجموح وابن أخيه يوم أحد، فأمر بهما النبي -صلى الله عليه وسلم-، فجعلا في قبر واحد".