شُرِعت الضحى، وإلا فلا. قال في "الفتح": الظاهر أن البخاريّ أشار بالترجمة المذكورة إلى ما رواه أحمد عن أنس بن مالك، قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، صلّى في السفر سَبْحَة الضحى ثمان ركعات، فأراد أن تَرَدُّدَ ابن عمر في كونه صلاّها أم لا، لا يقتضي رَدَّ ما جزم به أنس، بل يؤيده حديث أم هانىء في ذلك. وحديث أنس المذكور صححه ابن خُزيمة والحاكم.
وقوله:"لا إخاله" بكسر الهمزة وتفتح، والخاء معجمة، أي: لا أظنه، وكان سبب توقف ابن عمر في ذلك، أنه بلغه عن غيره أنه صلّاها ولم يثق بذلك عمن ذكره، وقد جاء عنه الجزم بكونها محدثة، فروى سعيد بن منصور، بإسناد صحيح عن ابن عمر، أنه قال: إنها محدثة، وإنها لمن أحسن ما أحدثوا، وسيأتي في أول أبواب العمرة عن مجاهد قال:"دخلت أنا وعُروة بن الزبير المسجد، فإذا عبد الله بن عمر جالس إلى حُجْرة عائشة، وإذا ناس يصلون الضحى، فسألناه عن صلاتهم، فقال: بدعة". وروى ابن أبي شيبة، بإسناد صحيح عن الأعرج، قال: سألت ابن عمر عن صلاة الضحى قال: بدعة ونِعْمَت البدعة. وروى عبد الرزاق، بإسنادٍ صحيح عن سالم عن أبيه، قال: لقد قتل عثمان وما أحد يسبحها، وما أحدث الناس شيئًا أحب إليَّ منها.
وروى ابن أبي شيبة، بإسنادٍ صحيح عن الشعبيّ عن ابن عمر، قال: ما صليت الضحى منذ أسلمت، إلا أن أطوفَ بالبيت فأُصلي في ذلك الوقت، لا على نية الضحى، بل على نية الطواف، ويحتمل أنه كان ينويهما معًا. وقد جاء عن ابن عمر أنه كان يفعل ذلك في وقت خاص، كما يأتي بعد سبعة أبواب عن نافع أن ابن عمر كان لا يصلي الضحى إلا يوم يقدم مكة، فإنه كان يقدمها ضحى، فيطوف بالبيت، ثم يصلي ركعتين، ويوم يأتي مسجد قباء.
وروى ابن خزيمة عن نافع عن ابن عمر:"كان النبي -صلى الله عليه وسلم-، لا يصلي الضحى إلا أن يقدم من غيبة"، وأما مسجد قباء، فقال سعيد بن منصور عن عبد الله بن دينار: إن ابن عمر كان لا يصلي الضحى، ويحتمل أن يكون ينويهما معًا كما مرّ في الطواف.
وفي الجملة ليس في أحاديث ابن عمر هذه ما يدفع مشروعية صلاة الضحى؛ لأن نفيه محمول على عدم رؤيته، لا على عدم الوقوع في نفس الأمر، أو الذي نفاه صفة مخصوصة، كما جاء نحوه في الكلام على حديث عائشة. قال عياض وغيره: إنما أنكر ابن عمر ملازمتها وإظهارها في المسجد وصلاتها جماعة، لا أنها مخالفة للسنة. ويؤيده ما رواه ابن أبي شَيبة عن ابن مسعود أنه رأى قومًا يصلونها فأنكر عليهم. وقال: إن كان ولابد، ففي بيوتكم.
[رجاله ستة]
وفيه ذكر أبي بكر وعمر. مرّ مُسدد ويحيى القَطّان في السادس من الإيمان، وشُعبة في الثالث منه، وابن عمر في أوله قبل ذكر حديث منه، ومرّ أبو بكر في باب "مَنْ لم يتوضأ من لحم الشاة" بعد الحادي والسبعين من الوضوء، ومرّ عمر في الأول من بدء الوحي.