الجنازة ونحو ذلك، والمطلوب إنما هو ترك فضول الصحبة لما في ذلك من شغل البال، وتضييع الوقت عن المهمات، وبجعل الاجتماع بمنزلة الغداء والعشاء، فيقتصر منه على ما لا بد له منه، فهو أروح للبدن والقلب. وقال القُشَيْريّ في "الرسالة": طريق من آثر العزلة أن يعتقد سلامة الناس من شر لا العكس، فإن الأول ينتجه استصغاره نفسه وهي صفة المتواضع، والثاني شهوده مَزِيّةً له على غيره وهذه صفة المتكبر، وقد وقع لبعض الصحابة الاعتزال كسَلَمَة بن الأكْوَع لما قتل عثمان ووقعت الفتن اعتزل عنها، وسكن الرَّبَذَة، وتأهل بها, ولم يلابِس شيئًا من تلك الحروب كما في "البخاري".
قال في "الفتح": والحق حمل عمل كل أحد من الصحابة على السداد، فمن لابس القتال اتضح له الدليل لثبوت الأمر بقتال الفئة الباغية، وكانت له قدرة على ذلك، ومن قعد لم يتضح له أي الفئتين هي الباغية، أو لم تكن له قدرة على القتال، وقد وقع لخُزَيْمة بن ثابت أنه كان مع علي، وكان مع ذلك لا يقاتل حتى قُتِلَ عمّار فقاتل حينئذٍ، وحدّثَ بحديث:"تَقْتُلُ عمّارًا الفئة الباغية" أخرجه أحمد وغيره، وقد لخصت هنا جميع ما قيل في العزلة والاختلاط لشدة الحاجة إليهما في هذا الزمان.
[رجاله خمسة]
الأول: عبد الله بن مَسْلَمة بن قَعْنَب القَعْنَبيّ الحارِثي أبو عبد الرحمن المَدَني نزيل البصرة، كان يسمى الراهب لعبادته وفضله.
وقال عبد الله بن أحمد بن الهَيثم: سمعت جدي يقول: كنا إذا أتينا عبد الله بن مسلمة القَعْنَبي خرج إلينا كأنه مشرف على جهنم نعوذ بالله منها. وقال عبد الله بن داود الخُرَيْبِيّ: حدثني القَعْنبي عن مالك، وهو والله عندي خير من مالك. وقال العِجليّ: بصري ثقة، رجل صالح، قرأ مالك عليه نصف "الموطأ" وقرأ هو على مالك النصف الباقي. وقال أبو حاتم: حجة ثقة، لم أر أخشع منه. وقال أبو زُرعة: ما كتبت عن أحد أجلّ في