قد مرَّ في أواخر صفة الصلاة، في باب الدعاء قبل السلام، استيفاء الكلام على معنى الدجال والمسيح، أي: اشتقاق تسميته بذلك، ومما يحتاج إليه في أمر الدجال أصله، وهل هو ابن صياد أو غيره؟ وعلى الثاني: فهل كان موجودًا في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو لا؟ ومتى يخرج؟ وما سبب خروجه؟ ومن أين يخرج؟ وما صفته؟ وما الذي يدعيه؟ وما الذي يظهر عند خروجه من الخوارق حتى تكثر أتباعه؟ ومتى يهلك؟ ومن يقتله؟
فأما الأول: فقد مرَّ استيفاء الكلام عليه في باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه؟
وأما الثاني: فمقتضى حديث فاطمة بنت قيس في قصة تميم الداري الذي أخرجه مسلم أنه كان موجودًا في العهد النبوي، وأنه محبوس في بعض الجزائر.
وأما الثالث: ففي حديث النواس عند مسلم أنه يخرج عند فتح المسلمين القسطنطينية، وأما سبب خروجه فأخرج مسلم في حديث ابن عمر عن حفصة أنه يخرج من غضبة يغضبها.
وأما من أين يخرج فمن قبل المشرق جزمًا، ثم جاء في رواية أنه يخرج من خراسان، أخرج ذلك أحمد، والحاكم من حديث أبي بكر رضي الله تعالى عنه، وفي أخرى أنه يخرج من أصبهان أخرجها مسلم.
وأما صفته فمذكورة في أحاديث البخاري في كتاب الفتن، وسأذكر منها طرفًا هنا.
وأما الذي يدعيه فإنه يخرج أولًا فيدعي الإيمان والصلاح، ثم يدعي النبوءة، ثم يدعي الإلهية، كما أخرج الطبراني عن سليمان بن شهاب قال: نزل عليَّ عبد الله بن المعتمر -وكان صحابيًا- فحدثني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"الدجال ليس به خفاء، يجيء من قبل المشرق، فيدعو إلى الدين فيتبع، ويظهر، فلا يزال حتى الكوفة فَيُظْهِر الدينَ، ويعمل به، فيتبع، ويحث على ذلك، ثم يدعي أنه نبي فيفزع من ذلك كل ذي لب ويفارقه، فيمكث بعد ذلك فيقول: أنا الله فتغشى عينه، وتقطع أذنه ويكتب بين عينيه كافر، فلا يخفى على كل مسلم، فيفارقه كل أحد من الخلق في قلبه مثقال حبَّة خردل من إيمان" وسنده ضعيف.
وأما ما يظهر على يديه من الخوارق فسيذكر هنا.
وأما متى يهلك ومن يقتله فإنه يهلك بعد ظهوره على الأرض كلها إلا مكة والمدينة،