ثم يقصد بيت المقدس فينزل عيسى، فيقتله، أخرجه موسى، وأخرج الحاكم عن هشام بن عامر قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:"ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة فتنة أعظم من الدجال" وعند الحاكم أيضًا عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد رفعه: "أنه يخرج -يعني الدجال- في نقص من الدنيا، وخفة من الدين، وسوء ذات بين، فيرد كل منهل، وتطوى له الأرض" الحديث، وأخرج نعيم بن حماد في الفتن عن كعب الأحبار قال: يتوجه الدجال فينزل عند باب دمشق الشرقي ثم يلتمس، فلا يقدر عليه، ثم يرى عند المياه التي عند نهر الكسوة، ثم يطلب فلا يدرى أين توجه، ثم يظهر بالمشرق، فيعطى الخلافة، ثم يظهر السحرَ، ثم يدعي النبوءة، فتتفرق عنه الناس، فيأتي النهر، فيأمره أن يسيل إليه فيسيل، ثم يأمره أن يرجع فيرجع، ثم يأمره أن ييبس فييبس، ويأمر جبل طور وجبل زيتا أن ينتطحا فينتطحا، ويأمر الريح أن تثير سحابًا من البحر فتمطر الأرض، وتخوض البحر في يوم ثلاث خوضات، فلا يبلغ حقويه، وإحدى يديه أطول من الأخرى فيمد الطويلة في البحر فتبلغ قعره، فيخرج من الحيتان ما يريد" وأخرج أبو نعيم في الحلية بسند صحيح عن حسان بن عطية -أحد ثقات التابعين- قال: لا ينجو من فتنة الدجال إلا اثنا عشر ألف رجل، وسبعة آلاف امرأة، وهذا لا يقال من قبل الرأي فيحتمل أن يكون مرفوعًا أرسله، ويحتمل أن يكون أخذه من بعض أهل الكتاب، وقد اشتهر السؤال عن الحكمة في عدم التصريح بذكر الدجال في القرآن، مع ما ذكر عنه من الشر وعظم الفتنة به، وتحذير الأنبياء منه، والأمر بالاستعاذة منه حتى في الصلاة.
وأجيب بأجوبة:
أحدها: أنه ذكر في قوله: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} فقد أخرج الترمذي، وصححه عن أبي هريرة رفعه: "ثلاثة إذا خرجن لم ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل: الدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها".
الثاني: قد وقعت الإشارة في القرآن إلى نزول عيسى بن مريم في قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} وفي قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} وصح أنه الذي يقتل الدجال، فاكتفى بذكر أحد الضدين عن الآخر، ولكونه يلقب المسيح كعيسى، لكن الدجال مسيح الضلالة، وعيسى مسيح الهدى.
الثالث: أنه ترك ذكره احتقارًا، وتعقب بذكر يأجوج ومأجوج وليست الفتنة بهم دون الفتنة بالدجال، والذي قبله، فالسؤال باق، وأجاب الإِمام البلقيني بأنه اعتبر كل من ذكر في القرآن من المفسدين، فوجد كل من ذكر إنما هم ممن مضى، وانقضى أمره، وأما من لم يجيء بعد فلم يذكر منهم أحد.