قال القرطبيّ: ولو لم يكن في ذلك إلا الفرق بين من يقول نفسي نفسي، وبين من يقول أمتي أمتي، لكان كافيًا. وفيه تفضيل الأنبياء المذكورين فيه، على من لم يذكر فيه، لتأهلهم لذلك المقام العظيم دون من سواهم، وقد قيل: إنما اختُص المذكورون بذلك لمزايا أخرى لا تتعلق بالتفضيل، فآدم لكونه والد الجميع، ونوح لكونه الأب الثاني، وإبراهيم للأمر باتباع ملته، وموسى لأنه أكثر الأنبياء تبعًا، وعيسى لأنه أولى الناس بنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، كما ثبت في الحديث الصحيح. ويحتمل أن يكونوا اختُصوا بذلك لأنهم أصحاب شرائع عمل بها من بين من ذكر أولًا، ومن بعده.
وفيه من الفوائد غير، ما ذكر، أن من طلب من كبير أمرًا مهمًا أن يقدِّم بين يدي سؤاله وصف المسؤول بأحسن صفاته، وأشرف مزاياه، ليكون ذلك أدعى لاجابته لسؤاله. وفيه أن المسؤول إذا لم يقدر على تحصيل ما سئل يعتذر بما يقبل منه، ويدل على من يظن أنه يكمل في القيام بذلك، فالدال على الخير كفاعله، وأنه يثني على المدلول عليه بأوصافه المقتضية لأهليته، ويكون أدعى لقبول عذره في الامتناع. وفيه العمل بالعام قبل البحث عن المخصص، أخذًا من قصة نوح في طلبه نجاة ابنه، وقد يتمسك به من يرى بعكسه. فيه أن الناس يوم القيامة يستصحبون حالهم في الدنيا من التوسل إلى الله تعالى في حوائجهم بأنبيائهم، والباعث على ذلك الإلهام كما مرَّ في صدر الحديث.
وفيه أنهم يستشير بعضهم بعضًا، ويجمعون على الشيء المطلوب، وأنهم يغطى عنهم بعض ما علموه في الدنيا، لأن في السائلين من سمع هذا الحديث، ومع ذلك فلا يستحضر أحد منهم أن ذلك المقام يختص به نبينا عليه الصلاة والسلام، إذ لو استحضروا ذلك، لسألوه أول مرة، ولما احتاجوا إلى التردد من نبي إلى نبي، ولعل الله تعالى أنساهم ذلك للحكمة التي تترتب عليه من إظهار فضل نبينا -صلى الله عليه وسلم-.
وقوله: زاد عبد الله بن صالح، حدثني الليث .. الخ، كذا عند أبي ذَرٍّ، وسقط قوله "ابن صالح" من رواية الأكثر، ولهذا جزم خَلَف وأبو نعيم أنه ابن صالح، وفي الإيمان لابن منده عن يحيى بن بكير، وعبد الله بن صالح، جميعًا عن الليث، وساقه بلفظ عبد الله بن صالح، ورواه البزار موصولًا عن عبد الله بن صالح وحده، والطبرانيّ في الأوسط، وابن منده في الإيمان عن عبد الله بن صالح، وزاد بعد قوله "استغاثوا بآدم""فيقول: لست بصاحب ذلك" وتابع عبد الله بن صالح على هذه الزيادة عبد الله بن عبد الحكم عن الليث، أخرجه ابن مَنْدَه. وقوله: يأخذ بحلقة الباب، أي باب الجنة، أو هو مجاز عن القرب إلى الله تعالى، وقد مرَّ ما قيل في هذا عند قوله في الحديث "فاستأذن على ربي" ومرَّ الكلام على المقام المحمود مستوفى في باب الدعاء عند النداء.
[رجاله ستة]
مرَّ محل ابن بكير والليث وابن عمر في الذي قبله، ومرَّ عبد الله بن صالح في متابعة بعد الرابع