حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ أَنَسًا مَا سَمِعْتَ نَبِيَّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يذكر فِي الثُّومِ؟ فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلاَ يَقْرَبْنَا، أَوْ لاَ يُصَلِّيَنَّ مَعَنَا.
قوله:"من هذه الشجرة" قد مرَّ الكلام على إطلاق الشجرة على الثوم، وعلى ضبط يقربنّ وحكم رحبة المسجد وما قرب منها حكمه؛ ولذلك كان -صلى الله عليه وسلم- إذا وجد ريحها في المسجد أمر بإخراج مَنْ وجدت منه إلى البقيع، كما ثبت في مسلم عن عمر -رضي الله تعالى عنه- وفي حديث حذيفة عند ابن خزيمة:"مَنْ أكلَ مِنْ هذهِ البقلةِ الخبيثةِ فلا يقربنَّ مسجدَنَا ثلاثًا" وبوب عليه بوقت النهي عن إتيان الجماعة لآكل الثوم، وفيه نظر لاحتمال أن يكون قوله ثلاثًا يتعلق بالقول أي: قال ذلك ثلاثًا؛ بل هذا هو الظاهر؛ لأنه علة المنع وجود الرائحة وهي لا تستمر هذه المدة، وليس في هذا الحديث تقييد النهي بالمسجد فيستدل بعمومه على إلحاق المجامع بالمساجد كمصلى العيد والجنازة ومكان الوليمة. وقد ألحقها بعضهم بالقياس، والتمسك بهذا العموم أولى ونظيره قوله:"وليقعد في بيته" كما مرَّ، لكن قد علّل المنع في الحديث بترك أذى الملائكة وترك أذى المسلمين، فإن كان كل منهما جزء علة اختص النهي بالمساجد، وما في معناها وهذا هو الأظهر وإلاّ لعمّ النهي كل مجمع كالأسواق. ويؤيد هذا البحث قوله في حديث أبي سعيد عند مسلم:"مَنْ أكلَ مِنْ هذهِ الشجرةِ شيئًا فلا يقربنا في المسجدِ". قال القاضي ابن العربي ذكر الصفة في الحكم يدل على التعليل بها، ومن ثم رد على المازري حيث قال: لو أن جماعة مسجد أكلوا كلهم ما له رائحة كريهة لم يمنعوا منه بخلاف ما إذا أكل بعضهم؛ لأن المنع لم يختص بهم بل بهم وبالملائكة وعلى هذا، يتناول المنع من تناول شيئًا من ذلك ودخل المسجد مطلقًا ولو كان وحده.
واستدل بأحاديث الباب على أن صلاة الجماعة ليست فرض عين قال ابن دقيق العيد: لأن اللازم من منعه أحد أمرين: إما أن يكون أكل هذه الأُمور مباحًا فتكون صلاة الجماعة فرضًا وجمهور الأُمة على إباحة أكلها، فيلزم أن لا تكون الجماعة فرض عين وتقريره أن يقال أكل هذه الأمور جائز ومن لوازمه ترك صلاة الجماعة وترك الجماعة في حق آكلها جائز ولازم الجائز جائز وذلك ينافي الوجوب ونقل عن أهل الظاهر أو بعضهم تحريمها بناء على أن الجماعة فرض عين، وتقريره أن يقال صلاة الجماعة فرض عين ولا تتم إلا بترك أكلها. وما لا يتم الواجب إلا به فهو