[باب من تبع جنازة فلا يقعد حتى توضع عن مناكب الرجال فإن قعد أمر بالقيام]
قال الزين بن المنير: إنما نوع هذه التراجم مع إمكانه جمعها، فللإِشارة إلى الاعتناء بها، وما يختص كل طريق منها بحكمة، ولأن بعض ذلك وقع فيما ليس على شرطه، فاكتفى بذكره في الترجمة لصلاحيته للاستدلال، وكأنه أشار بهذه الترجمة الأخيرة إلى ترجيح رواية من روى في حديث الباب "حتى توضع بالأرض" على رواية من روى "حتى توضع في اللحد"، وفيه اختلاف على سُهيل بن أبي صالح عن أبيه، قال أبو داود: رواه أبو معاوية عن سهيل فقال "حتى توضع في اللحد" وخالفه الثوريّ،، وهو أحفظ، فقال "في الأرض".
ورواه جرير عن سهيل فقال: حتى توضع، حَسْبُ، وزاد: قال سهيل: ورأيت أبا صالح لا يجلس حتى توضع عن مناكب الرجال. أخرجه أبو نعيم في المستخرج بهذه الزيادة، وهو في مسلم بدونها، وفي المحيط للحنفية "الأفضل أن لا يقعد حتى يهال عليه التراب" وحجتهم رواية أبي معاوية. ورجح الأول عن البخاريّ بفعل أبي صالح, لأنه راوي الخبر، وهو أعرف بالمراد منه. ورواية أبي معاوية مرجوحة، كما قال أبو داود.
وقوله: فإن قعد أمر بالقيام، فيه إشارة إلى أن القيام في هذا لا يفوت, لأن المراد به تعظيم أمر الموت، وهو لا يفوت بذلك، وأما قول المهلب: قعود أبي هريرة ومروان يدل على أن القيام ليس بواجب، وأنه ليس عليه العمل، فإنْ أراد أنه ليس بواجب عندهما، فظاهر، وإن أراد في نفس الأمر فلا دلالة فيه على ذلك، ويدل على الأول ما رواه الحاكم عن أبي هريرة، فساق نحو القصة المذكورة، وزاد أن مروان قال له أبو سعيد: قم فقام، ثم قال له: أقمتني، فذكر الحديث، فقال لأبي هريرة: فما منعك أن تخبرني؟ قال: كنت إماما فجلست، فعرف بهذا أن أبا هريرة لم يكن يراه واجبًا، وأن مروان لم يكن يعرف حكم المسألة قبل ذلك، وأنه بادر إلى العمل بها بخبر أبي سعيد.
وروى الطحاويّ عن الشعبيّ عن أبي سعيد قال: مُرَّ على مروان بجنازة، فلم يقم، فقال له أبو سعيد: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مَرّت عليه جنازة فقام، فقام مروان. ولعل هذه الرواية مختصرة من القصة، وقد اختلف العلماء في أصل المسألة، فقال أكثر الصحابة والتابعين باستحبابه، كما نقله ابن المنذر، وهو قول الأوزاعيّ أحمد وإسحاق ومحمد بن الحسن، وروى البيهقيّ عن أبي حازم الأشجعيّ عن أبي هُريرة وابن عمر وغيرهما أن القائم مثل الحامل، يعني في الأجر.