الروايات، فإنه إذا حصل الانتفاخ والورم حصل الزلع والتشقق. وقوله:"فيقال له" لم يذكر المقول، ولم يسم القائل. وفي تفسير الفتح فقيل له: غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر.
وفي رواية أبي عُوانة فقيل له:"أنتكلف هذا" وفي حديث عائشة، فقالت له عائشة:"لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك؟ " وفي حديث أبي هريرة عند البَزَّار، فقيل له:"تفعل هذا وقد جاءك من الله أن قد غفر لك؟ " وقوله: أفلا أكون، في حديث عائشة:"أفلا أحب أن أكون عبدًا شكورًا" وزادت فيه: "فلما كثر لحمه صلى جالسًا" الحديث، وإلغاء في قوله:"أفلا أكون" للسببية، وهي عن محذوف تقديره: أأترك تهجدي فلا أكون عبدًا شكورًا، والمعنى أن المغفرة سبب لكون التهجد شكرًا، فكيف أتركه؟ قيل: أخرج البخاري هذا الحديث لينبه على أن قيام جميع الليل غير مكروه، ولا تعارضه الأحاديث الآتية بخلافه؛ لأنه يُجمع بينهما بأنه -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يداوم على قيام جميع الليل، بل كان يقوم وينام، كما أخبر عن نفسه، وأخبرت عنه عائشة.
قال ابن بطّال في هذا الحديث: أخذ الإنسان على نفسه بالشدة في العبادة، وإن أضر ذلك ببدنه؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم-، إذا فعل ذلك مع علمه بما سبق له، فكيف بمن لم يعلم ذلك؟ فضلًا عمن لم يأمن أنه استحق النار؟ ومحل ذلك ما لم يفض إلى المَلال؛ لأن حال النبي -صلى الله عليه وسلم-، كانت أكمل الأحوال، فكان لا يمل من عبادة ربه، وإن أضرذلك ببدنه، بل صح أنه قال:"وجُعِلتْ قُرَّة عيني في الصلاة" كما أخرجه النَّسَائيّ عن أنس، فأما غيره -صلى الله عليه وسلم-، فإذا خشي الملل، لا ينبغي له أن يكره نفسه، وعليه يحمل قوله -صلى الله عليه وسلم- "خذوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يَمل حتى تملوا".
وفيه مشروعية الصلاة للشكر، وفيه أن الشكر يكون بالعمل كما يكون باللسان، كما قال الله تعالى:{اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا} وقال القُرطبيّ: ظن مَنْ سأله عن سبب تحمله المشقة في العبادة أنه إنما يعبد الله خوفًا من الذنوب وطلبًا للمغفرة والرحمة، فمن تحقق أنه غفر له لا يحتاج لذلك، فأفادهم أن هناك طريقًا آخر للعبادة، وهي الشكر على المغفرة، وإيصال النعمة لمن لا يستحق عليه فيها شيئًا. فيتعين كثرة الشكر على ذلك، والشكر الاعتراف بالنعمة والقيام بالخدمة، فمن كثر ذلك منه سمي شكورًا، ومن ثم قال تعالى:{وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} والشكور من أبنية المبالغة يستدعي نعمة خطيرة، وتخصيص العبد بالشكر مشعر بغاية الإكرام والقرب من الله تعالى، ومن ثم وصفه به في مقام الإِسراء، ولأن العبود ية تقتضي صحة النسبة، وليست العبادة إلاَّ عين الشكر.
وفيه ما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- من الاجتهاد في العبادة، والخشية من ربه قال العلماء: إنما ألزم الأنبياء أنفسهم بشدة الخوف، لعلمهم بعظيم نعمة الله تعالى عليهم، وأنه ابتدأهم بها، فبذلوا مجهود هم في عبادته، ليؤدوا بعض شكره، مع أن حقوق الله أعظم من أن يقوم بها العباد.
[رجاله أربعة]
قد مرّوا، مرّ أبو نعيم في الخامس والأربعين من الإِيمان، ومرّ زياد بن عُلاقة والمُغيرة بن شُعبة