قال الزين بن المنير: أدخل هذه الترجمة بين أبواب الترغيب في الصدقة، ليفهم أن المقصود الخاص بها الترغيب في الإنفاق في وجوه البِر، وأن ذلك موعود عليه بالخَلَف في العاجل، زيادة على الثواب الآجل. وأخرج الطبريّ بطرق متعددة، عن ابن عباس في هذه الآية، قال: أعطى مما عنده، واتقى ربه، وصدّق بالخَلَف من الله تعالى، ثم حكى عن غيره أقوالًا أخرى، قال: أو وأشبهها بالصواب قول ابن عباس: والذي يظهر أن البخاري أشار بذلك إلى سبب نزول الآية المذكورة، وهو بيَّن فيما أخرجه ابن أبي حاتم عن أبي الدرداء مرفوعًا نحو حديث أبي هريرة المذكور في الباب، وزاد في آخره "وأنزل الله في ذلك: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} إلى قوله: {لِلْعُسْرَى} وهو عند أحمد من هذا الوجه، لكن ليس فيه آخره.
وقوله: "اللهم أعط منفقَ مالٍ خَلَفًا" قال الكرمانيُّ: هو معطوف على الآية، وحذف أداة العطف كثير، وهو مذكور على سبيل البيان للحسنى أي: تيسير الحسنى له إعطاء الخَلَف. وقوله: "منفق مالٍ" بالإِضافة، ولبعضهم لله منفقًا مالًا خلفًا" ومالًا مفعول منفق، بدليل رواية الإضافة، ولولاها احتمل أن يكون مفعول أعطِ والأول أولى من جهة أخرى، وهي أن سياق الحديث للحض على إنفاق المال، فناسب أن يكون مفعول منفق، وأما الخلف فإبهامه أولى، ليتناول المال والثواب وغيرهما. وكم من منفق مات قبل أن يقع الخَلَف المالي، فيكون خلفه الثوابَ المعدَّ له في الآخرة، أو يدفع عنه من السوء ما يقابل ذلك.