أي: هذا باب في حكم الاستنجاء بالماء، والاستنجاء في اللغة الذهاب إلى النَّجْوة من الأرض لقضاء الحاجة، والنَّجوة المرتفع من الأرض، كانوا يستترون به إذا قعدوا للتخلي، وهو استفعال من النَّجْو، ومعناه إزالة النَّجو، وهو الأذى الباقي في فم أحد المخرجين بالحجر أو بالماء.
وأراد المصنف بهذه الترجمة الرد على مَنْ كره الاستنجاء بالماء، وعلى مَنْ نفى وقوعه من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، متمسكًا بما رواه ابن أبي شيبة بأسانيد صحيحة، عن حُذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه، أنه سُئل عن الاستنجاء بالماء. فقال: إذًا لا يزال في يديَّ نتنٌ. وعن نافع أن ابن عمر كان لا يستنجي من الماء. وعن ابن الزُّبير قال: ما كنا نفعله. وعن سعيد بن المسيِّب أنه سُئل عن الاستنجاء بالماء، فقال: إنه وضوء النساء. ونقل ابن التين عن مالك أنه أنكر أن يكون النبي صلى الله تعالى عليه وسلم استنجى بالماء، وعن ابن حبيب من المالكية أنه منع الاستنجاء بالماء لأنه مَطْعوم.
قلت: كيف يصح إنكار الاستنجاء بالماء مع ما هو مطبَقٌ عليه عند المفسرين من أن قوله تعالى: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا}[التوبة: ١٠٨]، نزلت في أهل قباء، أو أهل المدينة، وأن النبي عليه الصلاة والسلام سألهم عن الطهارة التي مدحهم الله تعالى بها، فقالوا له: كنا نُتْبِعُ الحجارة بالماء. فقال:"هو ذاك، فعليكُموه" رواه البزار.
وروى ابن خُزيمة في "صحيحه" أنه صلى الله تعالى عليه وسلم أتاهم في مسجد قُباء، فقال:"إن الله تعالى قد أحسن عليكم الثناء في الطهور في قصة مسجدكم"، فما هذا الطهور الذي تطهرون به؟ " قالوا: والله يا رسول الله ما نعلم شيئًا، إلا أنه كان لنا جيرانٌ من اليهود، فكانوا يغسِلون أدبارهم من الغائط، فغسلنا كما غسلوا. وقال ابن العربي: إن هذا الحديث لم يصح، والله تعالى أعلم.