قال الزين بن المنير: فائدة قوله: "ولم يناول بنفسه" التنبيهُ على أن ذلك مما يغتفر، وإن قوله في الباب قبله:"الصدقة باليمين" لا يلزم منه المنع من إعطائها بيد الغير، وإن كانت المباشرة أولى، فقد روى ابن أبي شَيبة عن عباس بن عبد الرحمن المدنيّ خصلتان لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- يَلِيْهُما إلى أحد من أهله؟ "كان يناول المسكين بيده، ويضع الطهور لنفسه". وفي الترغيب للجوزيّ عن ابن عباس:"كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يَكِل طَهوره ولا صَدقته التي يتصدق بها إلى أحد، يكون هو الذي يتولّاهما بنفسه".
ثم قال: وقال أبو موسى عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: هو أحد المتصدقين، ضبط في جميع روايات الصحيحين بفتح القاف على التثنية، قال القرطبيّ: ويجور الكسر على الجمع، أي هو متصدق من المتصدِقين، أي هو ورب الصدقة في أصل الأجر سواء، لا ترجيح لأحدهما على الآخر، وإن اختلف مقداره لهما، فلو أعطى المالك مثلًا مئة درهم لخادمه، ليدفعها لفقير على باب داره مثلًا، فأجر المالك أكثر، ولو أعطاه رغيفًا ليذهب إلى فقير في مسافة بعيدة، بحيث يقابل مشي الذاهب إليه بأجرة تزيد على الرغيف، فأجر الخادم أكثر. وقد يكون عمله قدر الرغيف مثلًا، فيكون مقدار الأجر سواءًا.
وهذا التعليق طرف من حديث وصله بعد ستة أبواب، بلفظ "الخازن" والخازن خادم المالك في الخزن، وإن لم يكن خادمه حقيقة. وقيد الخازن في الحديث الآتي بأمور فقال:"الخازن المسلم الأمين الذي ينفذ، وربما قال: يعطي ما أمر به كاملًا موفرًا طيبًا به نفسه، فيدفعه إلى الذي أمر له به. فأخرج بالمسلم الكافر؛ لأنه لا نية له، وبكونه أمينا الخائنَ؛ لأنه مأزور وتب الأجر على إعطائه ما يؤمر به غير ناقص، لكونه خائنًا أيضًا، وبكون نفسه بذلك طيبة لئلا يعدم النية، فيفقد الأجر، وهي قيود لابد منها. وقد مرَّ أبو موسى في الرابع من الإيمان.