قوله: هل ترون قبلتي، هو استفهام إنكار لما يلزم منه، أي أنتم تظنون أني لا أرى فعلكم، لكون قبلتي في هذه الجهة, لأن من استقبل شيئًا استدبر ما وراءه. لكن بيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رؤيته لا تختص بجهة واحدة، وقد اختلف في معنى ذلك، فقيل: المراد بها العلم، إما بأنْ يوحى إليه كيفية فعلهم، وإما بأن يلهَم، وفيه نظر, لأن العلم لو كان مرادًا لم يقيده بقوله "من وراء ظهري". وقيل: المراد أنه يرى مَنْ عن يمينه ومن عن يساره ممن تدركه عينه مع التفات يسير في النادر، ويوصف من هو هناك بأنه وراء ظهره، وهذا ظاهر التكلف، وفيه عدول عن الظاهر بلا موجب، والصواب المختار أنه محمول على ظاهره، وأن هذا الإبصار إدراك حقيقي خاص به -صلى الله عليه وسلم- انخرقت له فيه العادة، وكذا نقل عن الإمام أحمد وغيره، ثم ذلك الإِدراك يجوز أن يكون برؤية عينه انخرقت له العادة فيه، فكان يرى بها من غير مقابلة؛ لأن الحق عند أهل السنة أن الرؤية لا يشترط لها عقلًا عضو مخصوص، ولا مقابلة ولا قرب، وإنما تلك أمور يجوز حصول الإدراك مع عدمها عقلًا، ولذا حكموا بجواز رؤية الله تعالى في الدار الآخرة، خلافًا لأهل البدع، لوقوفهم مع العادة.
ورواية مسلم "إني لأبصر من ورائي كما أبصر من بين يدي" قال على هذا المختار من أن المراد بالرؤية الإبصار. وقيل: كانت له عين خلف ظهره يرى بها مَنْ وراءه دائمًا، وقيل: كان بين كتفيه عينان مثل سَمّ الخياط يبصر بهما،