قال الزين بن المنير: هذه الترجمة أخص من التي قبلها, لتضمن حديثها تعظيم إثم مانع الزكاة، والتنصيص على عظيم عقوبته في الدار الآخرة، وتبري نبيه منه، بقوله له:"لا أملك لك من الله شيئًا" وذلك مؤذن بانقطاع رجائه، وإنما تتفاوت الواجبات بتفاوت المثوبات والعقوبات، فما شددت عقوبته كان إيجابه آكد مما جاء فيه مطلق العقوبة، وعبر المصنف بالإثم ليشمل من تركها جحدًا أو بخلًا.
قوله:"وقول الله تعالى" بالجرِ عطفًا على سابقه، وبالرفع على الاستئناف، وقوله:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} الآية، الكنز اسم للمال ولما يحرز فيه، وقال الطبريّ: هو كل شيء مجموع بعضه إلى بعض، في بطن الأرض كان أو في ظهرها, ولا يختص ذلك بالذهب والفضة، ألا ترى إلى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أخبركم بخير ما يكنزه المرءُ، المرأةَ الصالحةَ التي إذا نظر إليها سرته وإذا أمرها طاعته، وإذا غاب عنها حفظته" رواه أبو داود وابن مردويه والحاكم. وقال: على شرطهما ولم يخرجاه. وسمي الذهب ذهبًا لأنه يذهب ولا يبقى، وسميت الفضة فضة لأنها تنفض أي تنصرف.
والضمير في قوله:{وَلَا يُنْفِقُونَهَا} للكنوز الدال عليها يكنزون، أو للأموال، فإن الحكم عام، وتخصيصها بالذكر لأنهما قانون التمول، أو للفضة لأنها أقرب، ويدل على أن حكم الذهب كذلك بطريق الأولى. وقوله:{فِي سَبِيلِ اللَّهِ} المراد به المعنى الأعم، لا خصوص أحد السهام الثمانية، وإلا لاختص بالصرف إليه بمقتضى هذه الآية.
وقوله:{يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ} يوم توقد النار ذات حُمّى وحر شديد على الكنوز، وأصله تحمى النار، فجعل للنار مبالغة، ثم طوى ذكر النار، وأسند الفعل للجار والمجرور، تنبيهًا على المعهود، وانتقل من صيغة التأنيث إلى صيغة التذكير، وإنما قال "عليها" والمذكور شيئان، لأن المذكور دنانير ودراهم كثيرة، كما قال عليّ رضي الله تعالى عنه، فيما قاله الثَّوريّ عن أبي حُصين عن أبي الضُّحَى عن جَعْدة بن هبيرة عنه "أربعة آلاف وما دونها نفقة، وما فوقها كنز".
وقوله: فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم، أي: لأنها مجوفة فتسرع الحرارة إليها، أو لأن