قوله "لا تكذبوا علي" هو عامٌ في كل كاذبٍ، مطلقٌ في كل نوع من الكذب، ومعناه لا تنسبوا الكذب إلى، ولا مفهوم لقوله "علي" لأنه لا يتصور أن يكذب له لنهيه عن مطلق الكذب، وقد اغتر قومٌ من الجهلة، فوضعوا أحاديث في الترغيب والترهيب، وقالوا نحن لم نكذب عليه، بل فعلنا ذلك لتأييد شريعته، وما دروا أن تقويله صلى الله تعالى عليه وسلم، ما لم يقل يقتضي الكذب على الله تعالى, لأنه إثبات حكم من الأحكام الشرعية، سواء كان في الإيجاب أو الندب، وكذا مقابلهما، وهو الحرام والمكروه ولا يعتد بمن خالف ذلك من الكرامية، حيث جوزوا وضع الكذب في الترغيب والترهيب في تثبيت ما ورد في الكتاب والسنة، واحتجوا بأنه كذب له لا عليه، وهو جهل باللغة العربية.
وتمسك بعضهم بما ورد في بعض طرق الحديث من زيادة لم تثبت، وهي ما أخرجه البزَّار عن ابن مسعود بلفظ "من كذب علي ليضل به الناس". الحديث، واختلف في وصله وإرساله، ورجح الدارقطني والحاكم إرساله، وأخرجه الدارمي من حديث يعلى بن مُرة بسند ضعيف. وعلى تقدير ثبوته فليست اللام فيه للعلة، بل للصيرورة، كما فسر به قوله تعالى {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ}[الأنعام: ١٤٤] والمعنى أن مآل أمره إلى الإضلال، أو هو من تخصيص بعض أفراد العموم بالذكر، فلا مفهوم له كقوله {لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا