للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الحديث الثاني والمئة]

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه. أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاَتِي. قَالَ: قُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

مقتضى هذه الرواية أن الحديث من مسند الصديق -رضي الله تعالى عنه- وأوضح من ذلك رواية أبي الوليد الطيالسي عن الليث عن أبي بكر قال: "قلت: يا رسول الله" أخرجه عبد الرزاق. قلت: لم أر أيضًا ما في هذه الرواية عن رواية الباب وخالف عمرو بن الحارث الليث فجعله من مسند عبد الله بن عمرو ولفظه عن أبي الخير أنه سمع عبد الله بن عمرو يقول: إن أبا بكر قال للنبي -صلى الله عليه وسلم- هكذا رواه ابن وهب عن عمرو، ولا يقدح هذا الاختلاف في صحة الحديث. وقد أخرج المصنف طريق عمرو معلقة في الدعوات وموصولة في التوحيد. وأخرج مسلم الطريقين طريق الليث وطريق عمرو، وزاد مع عمرو بن الحارث رجلًا مبهمًا وبيّن ابن خزيمة في روايته أنه ابن لهيعة.

وقوله: "ظلمت نفسي" أي: بملابسة ما يستوجب العقوبة أو ينقص الحظ، وفيه أن الإنسان لا يخلو عن تقصير ولو كان صديقًا. وقوله: "ظلمًا كثيرًا" أي: بالمثلثة، ويروى بالموحدة وكذا هو في رواية مسلم. قال النووي: فينبغي أن يقول "ظلمًا كبيرًا كثيرًا". وقوله: "ولا يغفِرُ الذنوبَ إلا أنت" فيه إقرار بالوحدانية واستجلاب للمغفرة. وهو كقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} الآية، فأثنى على المستغفرين، وفي ضمن ثنائه عليهم بالاستغفار لوّح بالأمر به كما قيل إن كل شيء أثنى الله على فاعله، فهو آمر به وكل شيء ذم فاعله فهو ناه عنه، وقوله: "مغفرة من عندك" قال الطيبي: دلّ التنكير على أن المطلوب غفران عظيم لا يدرك كنهه ووضعه بكونه من عنده سبحانه وتعالى مريدًا لذلك العظم؛ لأن الذي يكون من عند الله لا يحيط به وصف. وقال ابن دقيق العيد: يحتمل وجهين: أحدهما: الإِشارة إلى التوحيد المذكور كأنه قال لا يفعل هذا إلا أنت فافعله لي أنت. والثاني: وهو أحسن أنه إشارة إلى طلب مغفرة متفضل بها لا يقتضيها سبب من العبد من عمل حسن ولا غيره، وبهذا الثاني جزم ابن الجوزي فقال: المعنى هب لي

<<  <  ج: ص:  >  >>