للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[باب مسجد قباء]

أي: فضله، وقُباء، بضم القاف ممدوداً وقد يقصر، ويُذَكَّر على أنه موضع فيصرف، ويؤنث على أنه اسم بقعة فلا يصرف، ويينه ويين المدينة ثلاثة أميال، وقيل ميلان، وهو أوّل مسجد أسسه -صلى الله عليه وسلم-، فقد روى يونس بن بكير عن الحَكَم بن عُتيبة قال: لما قَدِم النبي -صلى الله عليه وسلم- فنزل بقُباء، قال عمّار بن ياسر: ما لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- بدٌّ من أنْ يجعل له مكانًا يستظل به إذا استيقظ، ويصلى فيه، فجمع حجارة، فبنى مسجد قُباء. فهو أوّل مسجد بُني بالمدينة، وهو في التحقيق أول مسجد صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه بأصحابه جماعة ظاهرًا، وأول مسجد بني لجماعة المسلمين عامّة، وإن كان قد تقدم بناءُ غيره من المساجد، لكن لخصوص الذي بناها، كما في حديث عائشة الآتي في بناء أبي بكر مسجده.

وروى ابن أبي شَيبَةَ عن جابر قال: لقد لبثنا بالمدينة قبل أن يقدم علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسنين، نعمر المساجد، ونقيم الصلاة. وقباء على يسار قاصد مكة، وهي من عوالي المدينة، والمسجد المذكور هو مسجد بني عمرو بن عوف، وسمي باسم بئر هناك، وفي وسطه مَبْرَك ناقته عليه الصلاة والسلام، وفي صحته، مما يلي القبلة، شبهُ محراب هو أوّل موضع ركع فيه -صلى الله عليه وسلم-. وقد اختُلف في المراد بقوله تعالى: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} فالجمهور على أن المراد به مسجد قباء، وهو ظاهر الآية، وهو الذي أخرجه البخاريّ عن عائشة في حديث الهجرة الطويل. وفي رواية عبد الرزاق عن عُروة قال: الذين بني فيهم المسجد الذي أُسس على التقوى هم بنو عمرو بن عوف. وكذا في حديث ابن عباس عند ابن عائذ، ولفظه: "ومكث في بني عمرو بن عوف ثلاث لَيالٍ، واتخذ مكانه مسجدًا، فكان يصلي فيه، ثم بناه بنو عمرو بن عوف، فهو الذي أُسس على التقوى".

وروى مسلم عن أبي سعيد: سألت النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عن المسجد الذي أُسس على التقوى، فقال: "مسجدكم هذا". ولأحمد والتِّرمِذِيّ من وجه آخر عن أبي سعيد: اخْتَلف رجلان في المسجد الذي أُسس على التقوى، فقال أحدهما: هو مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقال الآخر: هو مسجد قباء، فأتيا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فسألاه عن ذلك، فقال: "هو هذا"، وفي ذلك، يعني مسجد قباء، خير كثير. ولأحمد عن سَهْل بن سعد نحوه، وأخرجه آخر عن سَهْل بن سعد عن أُبيّ بن كعب مرفوعًا. قال القُرطبيّ: هذا السؤال صدر ممن ظهرت له المساواة بين المسجدين، لاشتراكهما في أن كلاً منهما

<<  <  ج: ص:  >  >>