وزاد في كتاب البيع: نهي البائع والمبتاع، أما البائع فلئلا يأكل مال أخيه بالباطل، وأما المشتري فلئلا يضيع ماله، ويساعد البائع على الباطل. وفيه أيضًا قطع النزاع والتخاصم، ومقتضاه جواز بيعها بعد بُدُوّ صلاحها مطلقًا، سواء اشترط الإبقاء أو لم يشترط، لأن ما بعد الغاية مخالف لما قبلها، وقد جعل النهي ممتدًا إلى غاية بُدو الصلاح، والمعنى فيه أن تؤمن فيها العاهة، وتغلب السلامة، فيثق المشتري بحصولها، بخلاف ما قبل بُدُوّ الصلاح، فإنه بصدد الغَرر. وقد أخرجه مسلم عن نافع، فزاد في الحديث "حتى يأمن العاهة". وفي رواية عن نافع بلفظ "وتذهب عنه الآفة ببدو صلاحه: حمرته وصفرته". وإلى الفرق بين ما قبل ظهور الصلاح وبعده ذهب الجمهور.
وعن أبي حنيفة إنما يصح بيعها في هذه الحالة حيث لا يشترط الإبقاء، فإنْ شَرَطه لم يصح البيع، وحكى النوويّ في شرح مسلم أنه أوجب شرط القطع في هذه الصورة، وتعقب بأن الذي صرح به أصحاب أبي حنيفة أنه صحح البيع حالة الإطلاق قبل بُدُوّ الصلاح وبعده، وأبطله بشرط الإِبقاء قبله وبعده، وأهل مذهبه أعرف به من غيرهم. واختلف السلف في قوله "حتى يبدو صلاحها" هل المراد به جنس الثمار، حتى لو بدا الصلاح في بستان من البلد مثلًا، جاز بيع ثمرة جميع البساتين، وإن لم يبد الصلاح؟ أو لابد من بدو الصلاح في كل بستان على حدة، أو لابد من بدو الصلاح في كل جنس على حدة، أو في كل شجرة على حِدة، أقوال:
الأول: قول الليث، وهو عند المالكية بشرط أن يكون الصلاح متلاحقًا.
والثاني: قول أحمد، وعنه رواية كالرابع.
والثالث: قول الشافعية، ويمكن أن يؤخذ ذلك من التعبير ببدو الصلاح، لأنه دال على الاكتفاء بمسمى الإِزهاء من غير اشتراط تكامله، فيؤخذ منه الاكتفاء بزَهْو بعض الثمرة، وبزهو بعض الشجرة، مع حصول المعنى، وهو الأمن من العاهة. ولولا حصول المعنى لكان تسميتها مزهية بإزهاء بعضها قد لا يكتفى به، لكونه على خلاف الحقيقة. وأيضًا فلو قيل بإزهاء الجميع، لأدّى إلى فساد الحائط أو أكثره، وقد منّ الله تعالى يكون الثمار لا تطيب دفعة واحدة، ليطول زمن التفكه بها.
وقوله: وكان إذا سئل عن صلاحها قال: حتى تذهب عاهته، أي الثمر، وفي رواية الكشميهنيّ "عاهتها" وهو مقول ابن عمر، بيّنه مسلم في روايته عن شُعبة ولفظه "فقيل لابن عمر: ما صلاحه؟ قال: تذهب عاهته".
[رجاله أربعة]
قد مرّوا، مرّ حَجّاج بن مُنهال في الثامن والأربعين من الإيمان، ومرّ شعبة في الثالث منه،