مبتدأ وخبره غنى، ويظهر ذلك من لفظ الحسن في رواية سليمان التيمي عنه في قوله تعالى:{جَدُّ رَبِّنَا}. قال غنى ربنا، وعادة البخاري إذا وقع في الحديث لفظة غريبة ووقع مثلها في القرآن يحكي قول أهل التفسير فيها، وهذا منها وفي رواية كريمة قال الحسن: الجد غنى، وسقط هذا الأثر من أكثر الروايات، وهذا الأثر وصله ابن أبي حاتم وعبد بن حميد والحسن مرّ في الرابع والعشرين من الإيمان.
ثم قال: وعن الحكم عن القاسم بن مخيمرة عن ورّاد بهذا وقع في رواية أبي ذرٍّ هذا التعليق عن الحكم مؤخرًا عن أثر الحسن، وفي رواية كريمة بالعكس وهو الأصوب؛ لأن قوله عن الحكم معطوف على قوله عن عبد الملك، فهو من رواية شعبة عن الحكم أيضًا ولفظه كلفظ عبد الملك السابق إلا أنه قال فيه كان إذا قضى صلاته وسلم قال فذكره ووقع نحو هذا التصريح لمسلم عن المسيب بن رافع عن ورّاد به، وهذا التعليق أخرجه السّراج والطبراني وابن حِبّان. وورّاد مرّ في الذي قبله والحكم بن عتيبة مرّ في الثامن والخمسين من العلم، والقاسم بن مُخَيمَرة بضم الميم الأولى وفتح الخاء المعجمة وفتح الميم الثانية الهمداني أبو عروة الكوفي سكن دمشق. ذكره ابن حِبّان في "الثقات" وقال: ما أحسبه سمع من أبي موسى وكان من خيار الناس ومن صالحي أهل الكوفة، انتقل منها إلى الشام مرابطًا. وقال ابن سعد: كان ثقة وله أحاديث. وقال ابن معين: ثقة ولم يسمع من أحد من الصحابة، وقال أبو حاتم: صدوق ثقة كوفي الأصل كان معلمًا بالكوفة، ثم سكن الشام. وقال إسماعيل بن أبي خالد: كنّا في كُتّابه وكان يعلمنا ولا يأخذ منا. وقال العجلي وابن خراش: ثقة. وقال الأوزاعي أتى القاسم بن مخيمرة عمر بن عبد العزيز ففرض له وأمر له بغلام، فقال: الحمد لله الذي أغناني عن التجارة. قال وكان له شريك كان إذا ربح قاسمه، ثم قعد في بيته فلا يخرج حتى يأكله. روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص وأبي سعيد الخدري وأبي أمامة وعلقمة بن قيس وورّاد كاتب المغيرة وغيرهم. وروى عنه أبو إسحاق السبيعي وسماك بن حرب والحكم بن عتيبة وإسماعيل بن أبي خالد وحسّان بن عطية وغيرهم قال خليفة: مات في خلافة عمر بن عبد العزيز، وقيل مات سنة مئة، وقيل سنة إحدى ومئة. ثم قال المصنف:
باب يستقبل الإِمام الناس إذا سلَّم
قيل الحكمة في استقبال المأمومين أن يعلّمهم ما يحتاجون إليه، فعلى هذا يختص بمن كان في مثل حاله -صلى الله عليه وسلم- من قصد التعليم والموعظة، وقيل الحكمة فيه تعريف الداخل بأن الصلاة انقضت إذ لو استمر الإِمام على حاله لأوهم أنه في التشهد مثلًا. وقال الزين بن المنير: استدبار الإِمام المأمومين إنما هو لحق الإمامة، فإذا انقضت الصلاة زال السبب فاستقبالهم حينئذ يرفع الخُيلاء والترفع على المأمومين، وستأتي في الباب الذي بعد هذا زيادة.