وقوله:"لم يأكل الطعام"، المراد بالطعام ما عدا اللبن الذي يرتضعه، والتمر الذي يُحَنَّك به، والعسل الذي يلعقه للمداواة، وغيرها، فكان المراد أنه لم يحصل له الاغتذاء بغير اللبن علي الاستقلال، قاله النووي في "شرح مسلم"، وفي "الروضة": المراد أنه لم يَطْعم ولم يشرب غير اللبن. وقيل: المراد أنه لم يأكل غير اللبن وغير ما يُحنك به وما أشبهه. وحمل الموفق الحموي قوله:"لم يأكل" على ظاهره، فقال: معناه لم يستقلَّ بجعل الطعام في فمه. والأول أظهر. وقال ابن التين: يُحتمل أنها أرادت أنه لم يتقوَّت بالطعام، ولم يستغن به عن الرضاع، ويُحتمل أنها إنما جاءت به عند الولادة ليحنكه -صلى الله عليه وسلم-، فيحمل النفي على عمومه، ويؤيده ما مر قريبًا أنه للمصنف في العقيقة في الحديث الذي قبله.
وظاهر قولهم: لم يطعم غير اللبن. شموله للبن الآدمي وغيره، وظاهره أنه لا فرق بين النجس وغيره، وأما قول الزركشي: لو شرب لبنًا نجسًا أو متنجسًا فينبغي وجوب غسل بوله، كما لو شربت السخلة لبنًا نجسًا يحكم بنجاسة أنفحتها، وكذا الجلّالة، فإنه مردود بأن استحالة ما في الجوف تُغير حكمه الذي كان، بدليل قول الجمهور بطهارة لحم جديٍ ارتضع كلبةً أو نحوها، فنبت لحمه من لبنها، ويعدم تسبيع المخرج فيما لو أكل لحم كلب، وإن وجب تسبيع