[باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت وإذا سعى على غير وضوء بين الصفا والمروة]
جزم بالحكم الأول لتصريح الأخبار التي ذكرها في الباب بذلك، وأورد المسألة الثانية مورد الاستفهام للاحتمال، وكأنه أشار إلى ما روى عن مالك في حديث الباب بزيادة ولا بين الصفا والمروة، قال ابن عبد البر: لم يقله أحد عن مالك إلا يحيى بن يحيى التميمي النيسابوري، فإن كان يحيى حفظه فلا يدل على اشتراط الوضوء للسعي لأن السعي يتوقف على تقدم طواف قبله، فإن كان الطواف ممتنعًا امتنع لذلك لا لاشتراط الطهارة له، وقد روي عن ابن عمر أيضًا، قال: تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت، وبين الصفا والمروة، أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح، قال: وحدثنا ابن فضيل، عن عاصم، قلت لأبي العالية: أتقرأ الحائض؟ قال: ولا تطوف بالبيت ولا بين الصفا والمروة، ولم يذكر ابن المنذر اشتراط الطهارة للسعي عن أحد من السلف إلا عن الحسن البصري، وقد حكى ابن تيمية رواية عند الحنابلة مثله.
وأما ما رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن ابن عمر: إذا طافت ثم حاضت قبل أن تسعى بين الصفا والمروة فلتسع.
وعن عبد الأعلى، عن الحسن، مثله، وهذا إسناد صحيح عن الحسن، فلعله يفرق بين الحائض والمحدث كما مرَّ عن الكوفيين، وقال ابن بطال: كأن البخاري فهم أن قوله عليه الصلاة والسلام لعائشة: "افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت" أن لها أن تسعى، ولهذا قال: وإذا سعى على غير وضوء، وهو توجيه جيد لا يخالف التوجيه المتقدم، وهو قول الجمهور، وحكى ابن المنذر قولين عن عطاء فيمن بدأ بالسعي قبل الطواف بالبيت، وبالإِجزاء قال بعض أهل الحديث، واحتج بحديث أسامة بن شريك أن رجلًا سأل النبي -صلى الله عليه وسلم-: فقال: سعيت قبل أن أطوف! قال: "طف ولا حرج"، وقال الجمهور: لا يجزئه، وأوّلوا حديث أسامة على من سعى بعد طواف القدوم، وقبل طواف الإفاضة.