باب التمتع والقِران والإِفراد بالحج وفسخ الحج لمن لم يكن معه هدي
أما التمتع فالمعروف أنه الاعتمار في أشهر الحج، ثم التحلل من تلك العمرة، والإِهلال بالحج في تلك السنة، قال الله تعالى:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}، ويطلق التمتع في عرف السلف على القِران أيضًا، قال ابن عبد البر: لا خلاف بين العلماء أن التمتع المراد بقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} أنه الاعتمار في أشهر الحج قبل الحج، قال: ومن التمتع أيضًا القِران؛ لأنه تمتع بسقوط سفر للنسك الآخر من بلده، ومن التمتع فسخ الحج أيضًا إلى العمرة، وأما القِران فوقع في رواية أبي ذر الإقران بالألف وهو خطأ من حيث اللغة كما قاله عياض وغيره، وصورته الإِهلال بالحج والعمرة معًا، وهذا لا خلاف في جوازه، أو الإِهلال بالعمرة، ثم يدخل عليها الحج أو عكسه، وهذا مختلف فيه.
وأما الإِفراد فالإِهلال بالحج وحده في أشهره عند الجميع، وفي غير أشهره أيضًا عند من يجيزه فيما مرَّ، والاعتمار بعد الفراغ من أعمال الحج لمن شاء، وأما فسخ الحج فالإِحرام بالحج، ثم يتحلل منه بعمل عمرة فيصير متمتعًا، وفي جوازه اختلاف آخر، وظاهر تصرف المصنف إجازته فإن تقدير الترجمة باب مشروعيته التمتع الخ، ويحتمل أن يكون التقدير باب حكم التمتع الخ، فلا يكون فيه دلالة على أن يجيزه، وقد جوزه أحمد وطائفة من أهل الظاهر، وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وجماهير العلماء من الخلف والسلف: إنه خاصٌ بالصحابة وبتلك السنة ليخالفوا ما كانت عليه الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحج، واعتقادهم أن إيقاعها فيه من أفجر الفجور.
ودليل التخصيص حديث الحارث بن بلال عن أبيه عند أبي داود والنسائي وابن ماجه، قال: قلت: يا رسول الله، أرأيت فسخ الحج إلى العمرة لنا خاصة أم للناس عامة؟ فقال:"بل لكم خاصة" وأجاب القائلون بالأول بأن حديث الحارث بن بلال ضعيف، وقال أحمد: لا يصح حديث في الفسخ أنه كان لهم خاصة، والقارن يكفيه طواف واحد وسعي واحد،