كذا للأكثر، وبه جزم الإسماعيليّ، وسقط لأبي ذَرٍّ، فعلى روايته هو من ترجمة فضل صدقة الصحيح، وعلى رواية غيره فهو بمنزلة الفصل منه، وأورد فيه المصنف قصة سؤال أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- أيتهن أسرع لحوقًا به؟ وفيه قوله لهنَّ:"أطولكنّ يدًا ... " الحديث، ووجه تعلقه بما قَبْلَه أنَّ هذا الحديث تضمّنَ أن الإيثار والاستكثار من الصدقة في زمن القدرة على العمل، سببٌ للحاقِ بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، وذلك الغاية في الفضيلة. قاله الزين بن المنير.
وقال ابن رشيد: وجه المناسبة أنه تبيَّن في الحديث أنّ المراد بطول اليد، المقتضي للحاق به، الطولُ وذلك إنما يتأتى للصحيح؛ لأنه إنما يحصل بالمداومة في حال الصحة، وبذلك يتم المراد.
[الحديث الخامس والعشرون]
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ فِرَاسٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها أَنَّ بَعْضَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قُلْنَ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: أَيُّنَا أَسْرَعُ بِكَ لُحُوقًا؟ قَالَ:"أَطْوَلُكُنَّ يَدًا". فَأَخَذُوا قَصَبَةً يَذْرَعُونَهَا، فَكَانَتْ سَوْدَةُ أَطْوَلَهُنَّ يَدًا، فَعَلِمْنَا بَعْدُ أَنَّمَا كَانَتْ طُولَ يَدِهَا الصَّدَقَةُ، وَكَانَتْ أَسْرَعَنَا لُحُوقًا بِهِ وَكَانَتْ تُحِبُّ الصَّدَقَةَ.
قوله:" إن بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-" قال في "الفتح": لم أقف على تعيين المُسائلة منهن عن ذلك، إلا عند أبي عُوانة بهذا السند، قالت: فقلت، بالمثناة، وأخرجه النَّسائيّ من هذا الوجه بلغظ "فقلن" بالنون، وقوله:"أسرع بك لحوقًا" منصوبًا على التمييز. وكذا قوله:"يدًا" وأطولُكن مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف. وقوله:"فأخذوا قصبة يَذْرَعونها" أي: يَقَدِّرونها بذراع كل واحدة منهن، وإنما ذكره بلفظ جمع المذكر بالنظر إلى لفظ الجمع، لا بلفظ جماعة النساء. وقد قيل في قول الشاعر:
وإن شئت حرمت النساءَ سواكم
إنه ذكره بلفظ جمع المذكر تعظيمًا. وقوله:"أطولكن" يناسب ذلك، وإلّا لقال: طُولاكُنّ.
وقوله:"فكانت سَوْدَة" زاد ابن سعد "بنت زمعة بن قيس". وقوله:"أطولهن يدًا" في رواية عفّان عند ابن سعد "ذراعًا" وهي تعين أنهن فهمن من لفظ اليدِ الجارحةَ. قلت: كذلك لفظ "قَصَبة