في رواية كريمة باب يستقبل الإمام القوم واستقبال الناس الإِمام إذا خطب ولم يبت الحكم قال في "الفتح": هو مستحب عند الجمهور وفي وجه يجب جزم به أبو الطيب الطبري من الشافعية. قلت: مشهور مذهب مالك أنه يجب على الناس استقبال الإِمام بوجوههم على أهل الصف الأول وغيرهم ممن يسمعه ومَنْ لا يسمعه ومَنْ يراه ومَنْ لا يراه. وقيل: إن استقباله سنة، وقيل: إن أهل الصف الأول يستقبلون جهته وغيرهم يستقبل ذاته وعلى هذا درج خليل في مختصره، ومن لازم الاستقبال استدبار الإمام القبلة واغتفر ذلك؛ لئلا يصير مستدبر القوم الذين يعظهم، وهو قبيح خارج عن عُرف المخاطبات.
ومن حكمة استقبالهم للإمام التهيؤ لسماع كلامه أو سلوك الأدب معه في استماع كلامه فإذا استقبله بوجهه وأقبل عليه بجسده وقلبه وحضور ذهنه كان أدعى لتفهيم موعظته وموافقته فيما شرع له القيام لأجله. ولو خالف الخطيب فاستدبرهم واستقبل القبلة كره وصحت خطبته. وحكى الشاشي وجهًا شاذًا أنها لا تصح. واستنبط الماوردي وغيره من الحديث أن الخطيب لا يلتفت يمينًا وشمالًا حالة الخطبة.
وفي "شرح المهذب" اتفق العلماء على كراهة ذلك، وهو معدود في البدع المنكرة خلافًا لأبي حنيفة فإنه قال: يلتفت يمنة ويسرة كالأذان. قال العيني في هذا النقل عن أبي حنيفة نظر ولا يصح ذلك منه. قال: ومن السنة عندنا أن يترك الخطيب السلام والكلام من وقت خروجه إلى دخوله في الصلاة، وبه قال مالك وليس كما قال، بل مذهب مالك أنه يندب حين خروجه على الناس ويكره تأخيره إلى انتهاء صعوده على المنبر. وقال الشافعي وأحمد: السنة إذا صعد المنبر أن يسلم على القوم إذا استقبلهم بوجهه، كذا روي عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وهذا الحديث أورده ابن عدي، وضعفه وكذا ضعفه ابن حِبّان، وروى ابن أبي شيبة عن الشعبي قال:"كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا صعدَ المنبَر يومَ الجمعةِ استقبلَ الناسَ فقال: السلامُ عليكم" الحديث، وهذا مرسل لا يحتج به عندهم.
وقال عبد الحق في "الأحكام": هو مرسل وإن أسنده أحمد عن عبد الله بن لَهِيعة، فهو معروف في الضعفاء فلا يحتج به وقال البيهقي: الحديث ليس بالقوي. ثم قال: واستقبل ابن عمر وأنس الإِمام مطابقته للترجمة ظاهرة أما أثر ابن عمر فرواه البيهقي عن نافع "أن ابن عمر كان يفرغ من سبحته يوم الجمعة قبل خروج الإمام فإذا خرج لم يقعد الإِمام حتى يستقبله". وأما أثر أنس فأخرجه